العــــــــــــــدد 9363
الثلاثـــــــاء 11 حزيران 2019
كانت أكثر طرق الغش انتشاراً إضافة الماء لللبن والغش في الميزان (المطففين) وكان من يُضبط غشاشاً نُبذ في مجتمعه (من غشنا ليس منا) وأخذت أساليب الغش تتطور مع تطوّر أساليب وأدوات كشفه وأخذ التنافس يزداد ويتعاظم ما بين الغشاشين ومكافحي غشهم وتنوّعت أساليب الغش ليأخذ أشكالاً متعددة فتارة يُسمى تهريباً على الحدود وأخرى تزويراً للعملة أو المعاملات والسرقات بكافة أنواعها، لكنّ الشيء المؤكد أنّ انتشار الغش في أي مجتمع يترافق مع ضياع القيم ويترافق مع ما تريده قوى الشرّ والاستكبار في العالم من زعزعة للمنظومة الأخلاقية للمجتمعات ليتنسى لها الولوج والتطبيع والسيطرة ثم الاحتلال بنوعية المباشر وغير المباشر.
سأذكر نوعاً من الغش المحمود (الإيجابيّ) وهو غش الطبيب عندما لا يخبر المريض بسوء حالته ليعطيه جرعة أمل بالشفاء والغش الذي يقوم به القادة العسكريون في نصب الكمائن للمجرمين أو للأعداء أو العمل على غش أجهزة العدو في كشف الدخول أو المراقبة من خلال أجهزة التنصت أو أجهزة التشويش ومنظومات الدفاع الجويّ والحرب الإلكترونية.
ومن ظواهر الغش التي انتشرت في العالم العربيّ ظاهرة الغش الامتحانيّ وهذه الظاهرة لها أسبابها المتعددة منها ما هو مبرر ومنها ما هو مرفوض وليس له تبرير وسأذكر بعضاً منها:
* نظام القبول الجامعي وارتفاع المعدلات والذي يحدد مستقبل الطالب بدرجة تحصيله الدراسي في الشهادة الثانوية.
* الحشو الموجود في المحتوى الدراسي واعتماد المناهج على الحفظ والتذكر من مستويات التفكير.
* معظم المواد التي يدرسها الطالب قبل الجامعة قد لا يحتاجها مستقبلاً في دراسته.
* ثقافة الامتحانات المنتشرة بأنّها الهدف والغاية وليست الوسيلة للتقييم والتقويم.
* ضعف أدوات التقويم والقياس ونظام الامتحانات في الكثير من الدول العربية.
والسؤال هل ما تقوم به الحكومات والوزارات من إجراءات وسياسات قادرة على ضبط الغش والقضاء على هذه الظاهرة التي أخذت تهدد الأمن القومي العربيّ..؟
سأذكر ما قامت به وزارة التربية في وطني من إجراءات وقائية وعلاجية لمعالجة هذه الآفة التي دخلت إلى حقلنا التربوي ومكافحتها والتخلص من آثارها السلبية المدمّرة.
* إجراء اختبار السبر للطلاب المتقدمين (الأحرار) وهذا يمنع الطالب الضعيف الذي سيعتمد على الغش من التقدم للامتحان.
* الكلية التحضيرية في الجامعة والتي يتم فيها الفرز وفق مؤشرات ومعايير محددة.
* إصدار حزمة من العقوبات الصارمة بحق المخالفين للتعليمات الامتحانية.
* قطع شبكة الانترنت في بعض المواد.
* تركيب كاميرات للمراقبة في بعض المراكز.
* استخدام أجهزة تقنية لكشف التقنيات الحديثة المستخدمة في الغش.
* إصدار تعليمات بإمكانية الاعتراض على النتيجة النهائية وإعادة التصحيح وحتى مناقشة الطالب للجنة.
* تطوير نظام التقويم والقياس وأدواته.
* التركيز على معيار المواطنة في المناهج المطّورة والذي يرسخ منظومة القيم في بناء المواطن السليم الصالح.
* تحميل مادة الدراسات الاجتماعية ومنذ الصف الأول منظومة من القيم (تقدير الذات- المنافسة الشريفة- النزاهة..)
* تدريب المدرسين وتمكينهم من أدوات التقويم الجديدة والتي تتناسب مع مهارات التفكير العليا.
إنّ اعتماد الطالب على الغش ومساعدته على ذلك من قبل البعض يجعل مستقبل الوطن في خطر لأنه يجعل الفاسدين يصلون إلى مراكز القيادة ويحرم المتميزين وأصحاب الموهبة من فرصهم في قيادة المجتمع.
كم أتمنى أن نفعل العمل في ملفات إنجاز المتعلمين ونراقب تطورهم ومواهبهم وميولهم فمن غير المعقول التطور الذي يحصل من فارق كبير في نتيجة الطالب في مادة ما في الاختبار النهائي ومسيرته خلال سنواته الدراسية تشير إلى ضعفه في تلك المادة؟!
كما يجب أن نذكر في ملف إنجاز الطالب محاولات الغش خلال سنواته الدراسية وإن تكرر الأمر في الشهادة الثانوية فيجب أن يرافقه الملف إلى الجامعة وإلى حياته الوظيفية ليمنعه من استلام أيّة مهمة مستقبلاً.
وأخيراً هل الأهل معفيون من محاربة الفساد الامتحاني؟
جميعنا معنيون بمكافحة الغش الامتحاني ومعنيون بمستقبل الوطن أطيب الأماني أتمناها لأبنائنا الطلبة في خوض امتحانات نزيهة ومعيارية وهادئة واختبارات تقيس مستوياتهم وقدراتهم وتساعدهم في اختيار ما يناسبهم ليكونوا شركاء في البناء وليكونوا عدتنا للمستقبل وأملنا في إعادة سوريتنا إلى عهد النور والتطوير يجب أن نبني مستقبلاً يليق بالتضحيات وبثقة سيد الوطن.
باسم ابراهيم شرمك