العدد: 9361
الأحد-9-6-2019
نُخْلَق بالقدرة والعناية الإلهيّة وعلى القدرة نأتي الدّنيا التي تنتظر منّا أنْ نُترجم قدرتنا على الفعل في أرض لا تَعْمُرُ إلاّ بنا, نحن الذين سُخّرتْ لنا كلُّ موجوداتها, هي الطفولة التي تَرجمتْ قدرتنا على التّعبير بأنْ نكون كما نحن نريد ومتى نريد وبالشّكل والهيئة اللذين نريد ولا أحد ينتظر أنْ نكون غير أولئك الذين ينظرون إليهم عبر التطلّعات المنطلقة من ماضٍ يختزن فيه الكثير من القيم والمعاني المثاليّة الفاضلة.
ولكنْ المشكلة التي تكمن في قدرتنا على التّعبير عمّا نريد التّعبير عنه تكمن في امتلاكنا أو عدم امتلاكنا لمجموعة من الأدوات التّعبيريّة التي لا تنحصر بالكلمات ولا بالعبارات, بل إنّ الطفل الذي كنّا عليه فيما مضى من وقتٍ (كان هو الأجمل إنْ لم نقل إنّه الأمثل) حيث استطاع ذاك الطّفل أنْ يكون قادراً على التّعبير عمّا يريد بالوسيلة والطريقة التي يُريد ولكنْ اليوم وقد كَبُر هذا الطّفل فأصبح من الشباب ما يجعله عاجزاً عن التعبير أو متردّداً في التعبير.
وهنا تكمن المقارنة العظيمة التي تُحيلنا إلى تفريغ الطاقة التعبيريّة في الصِّغر وكَبْتها في الكِبَر ولعلّ الأمر الذي يجعلنا نقف ونتوقّف قليلاً أو كثيراً هو أنّنا عندما كَبُرنا لم نَعُدْ نمتلك من أدوات تعبيريّة إلاّ عبر الفم الذي أصبح الأداة التعبيريّة ومركز التّعبير الوحيد وتحوّله إلى مركز أو أداة لنقل الطعام إلى جوف الإنسان الذي امتلأ بالكثير وهو غير محتاجٍ لمزيد من الأشياء التي تزيده تخمة.
لذا أيّها الإنسان اجعلْ أداتك التعبيريّة التي أوْدَعها الله فيك فاعلةً وفعّالةً وأطلقْ سراح الكلمات أو المشاعر والأحاسيس واجعلها تصل إلى الآخر أينما كان واجعلها تصله وعبّر عنها كيفما أردْتَ ومتى أردْتَ ذلك، فلا تجعلِ القيودَ تحدّكَ وتقيّدك وتُبعدك عن نفسك, لذا خفّفْ من فعل المراقبة ولا تجعل فِعْلَي المحاسبة والمراجعة يسيطران عليك وعلى جوارحك, بل أطلقْ سراح الطاقة كما لو أنّك تُمسك بيدك فانوس المارد الذي أخرج المارد من قمقمه بلمسة فيها الهدوء والحنان بعيداً عن الضّجيج والصّخب, وعندها فقط ستُدرك أنّك إنّما تبتعد بطريقة أو بأخرى عن المعاناة التي ستتولّد من جرّاء كبت الشعور والإحساس, عندها فقط ستعيش الفرق بين أنْ تكبتَ وألاّ تكبتَ, وحتى تصل إلى مثل هذا الشّعور عليك أنْ تؤمن بأنك قادرُ وستكون قادراً ..
نعيم علي ميّا