الوحدة : 12-10-2023
الغربة عبور نحو الغياب وحياة يمزقها الضياع ويرمي بها إلى التهلكة، هجرة إلى موانئ بلا أرصفة والسقوط في جغرافيا التيه بمعاول تحفر في المجهول، فراق للمجتمع والثقافة وانفصال المرء عن مسقط رأسه ومكانه الأول وانقطاعه عن بيئته وطفولته وعناصر تكوينه و جغرافيته العاطفية والمشاهد الطبيعية والعلاقات الاجتماعية والذاكرة والذكريات.
الغربة خارج الوطن بعد عن الأهل والأحباب في رحلة الكفاح للسعي وراء لقمة العيش والبحث عن حياة كريمة تغطي أعباء الحياة وتكفي متطلباتها، وانسداد الأفق بالضباب الكثيف حتى أن بعضهم يتشهى الموت على الألم الأرحم من حياة لا حياة فيها، وضريبة التحول من المكان على متن سفينة تبحر إلى شاطئ المجهول والإقامة في مكان جديد ورؤية الأشياء بعين جديدة، قضية أناس تفرقوا في دروب الحياة تتقاذفهم الأقدار كالقارب المضطرب وسط الموج، بعضهم يعيش مندمجاً وبعضهم يعيش نافراً، رحل عن بلاده لكنها لم تفعل ذلك ظلت قابعة في داخله يقارن بينها وبين الوطن المؤقت أو البديل ويفترش وسادته سيل عارم من الذكريات والتفاصيل للأيام السعيدة التي عاشها في بلاده التي يضفي عليها صفات الفردوس المفقود وتحولت محتوياتها إلى معبودات.
الوطن هو الإرث الدفين في النفس الذي يمنح السلام والأمان والأمن والذي يفجر الأوجاع في النفوس المتعبة البعيدة، له رائحة دبقة لا تفارق الذاكرة وكلما ابتعد الإنسان عن الوطن يحفر الحنين والشوق للعودة والرجوع إليه عميقاً في القلب، وهيهات أن ينزاح الهم عن العيون التي تخفي دموعها، والأنين عن القلوب التي هجرت أعشاشها وانفصلت عن رحم الأم وصارت كغصن مقطوع من شجرة مات بدون جنازة بأرض غريبة تجمع سكينة الموت مع وحشة الغربة.
نعمان إبراهيم حميشة