العدد:9279
الاثنين 28 – 1 -2019
(اذهب حيثما شئت.. فإذا وجدت أن روحك غريبة عنك
فاعلم أنّه ليس لك بيت في هذا العالم الذي تعيش فيه).
كموجةٍ بيضاء تنحسر فوق خاصرة صخرة، استرجعت تلك الجدّة طقوس الفرح في حياتها، حدثتني عن الحبّ في زمانها، ففاضت كلماتها بعبق الزيزفون، وحزن الياسمين، هي لم تعرف للحبّ مناسبات، ولم تتبادل هداياه المغلّفة بالأحمر برهاناً على استمرار الوفاء والوعود، ولم تنتظر مقابلاً لعطائها المديد، أو صوراً اجتماعية تصطنع فيها الابتسامة على (الفيس بوك) وتحفظ الكلمات الجاهزة والعبارات المنمقة.
كنت أصغي إلى صوتها المسكون بالدفء وشجون المطر، وحكايات كثيرة خبأناها ذات طفولة بعيدة في صناديق خشبية، ورحلنا عنها آملين أن نعود ذات يوم وقد أثقل كاهلنا الحنين..
وأضافت بفخرٍ: أفراح الماضي لم تميز بين كبير أو صغير، كانت تحمل طابعاً شعبياً دافئاً، ولم تكن الأيدي وحدها تتشابك للدبكة، بل القلوب والأحاسيس ووحدة الحال أيضاً، لم نعرف ما يسمى احتكاراً كما اليوم يا بنتي، فرغم الفقر كان الخير وفيراً، والحبّ يملأ القلوب قبل الجيوب..
وختمت كلامها: (الغربة هي غربة الروح قبل الجسد).
كانت كلماتها – رغم بساطتها- كمطر شفيف يروي ظمأ الوقت، ننتظر هطوله في أحيان كثيرة، لكننا نضع مظلّة فوق رؤوسنا وننسى أن نتساءل: كيف نكون غرباء عن ملامح وجهنا، وخطوط أيدينا، ونبرة صوتنا، كيف نكون غرباء ونحن في أوطاننا، كيف ننسى أن نلون أيامنا بالحبّ، ونزينّها بالعطاء، ونتحدى كل هذا اليباس الذي يحاصرنا؟
منى كامل الأطرش