الشوق…. جمرة متقدة في الروح

الوحدة:15-9-2023

وحشة الروح إحساس متأصل في النفس البشرية يطعن في القلب، الشوق لهفة مهرولة دوماً لا تعرف الوقوف، بركان جارف يفيض باللوعة والحنين لا يتوقف عن إرسال حممه، جمرة متقدة في الروح لا تخضع لفعل الطبيعة ودورة الفصول، عالم غني بالذكريات وتفاصيل محفورة في الوجدان، مشاهد مختزنة في الذاكرة تظل متوهجة على الدوام تفرض حضورها على الأرواح مثل شوق الأم التي تنتظر مهجة روحها بعد فراق طويل.

الشوق كما الحياة، كالدم لا يتوقف عن النبض في أوردتنا، عندما تتسلل الذكريات كالعناكب من الشقوق المظلمة يفيض نهر الأشواق كالدموع التي تمضغ القلب، عواطف متدفقة وأحاسيس جياشة وأمواج الوجع الباحث عن ميناء ومرساة، كرياح تفور في الفجاج، تئن كالموتى وتعول كالسبايا تزأر وتصفر كمن أخرج ثعباناً من جحره، قلق الروح المتطلعة للقاء الأحبة وبعث الدفء في القلوب.

الشوق يفيض بالحب واللوعة والحنين، أصدق تعبير عن العواطف الجياشة والأحاسيس الرقيقة والمشاعر الملتهبة التي تمتزج مع الدم وتتغلغل في العروق، نار تحرق الأحشاء وصقيع يغلف دفء الكلمات، حنين متجدد إلى الأشياء التي تختفي في حنايا الذاكرة، ورغبات مختمرة تعتمل في الأحشاء تزوي في ظلمة كهوف اللاشعور تهب كهبوب الرياح العاصفة المفاجئة، وبسمات مرتعشة ودموع محرقة وأنهار من العبرات تباغتنا مهرولة أو متأخرة عن موعدها، صور دون ملامح وذاكرة في جيدها قيد عنقاء تغيب في أصداء الضحكات في خيالات الأمس الغابر تتغلغل في تيارات الشوق لتهطل دمعاً هارباً يطرق أبواب المساء.

الشوق للمكان لا يزول فهو حب للأرض وللأشخاص والأشياء والظروف والمصادفات التي اجتمعت فيه، المكان جزء من كيان الإنسان ووجوده، مشبع بالتفاصيل حول المنبت والبيئة والنشأة، الحنين تداعيات مسكونة بالقهر والتيه والنزيف والوجع، وجع يغط في أخاديد الروح في قسمات الوجوه يعبر الذاكرة كالبرق يلقي بالشرر فتلتهب الروح وتفيض بالحنين ويفترش الوسادة سيل عارم من الذكريات والتفاصيل تطغى عليه صفات الفردوس المفقود وتتحول محتوياته إلى معبودات… وكيف لنا أن نحصل على النسيان والهروب من عذاب الصور وشقاء الذاكرة والذكريات….؟!

الذاكرة أكثر ممتلكات الإنسان قيمة وعند غيابها فإن محصلة وجود الإنسان يساوي العدم ولا يبقى منه سوى المخزون في ذواكر الناس، متسيدة على يوميات حاضرة، وهي مستودع ماضيه، شيء خاص فردي وحميمي، يعيش الإنسان أسير ماضيه دون وعي منه وحين ينبش فيها يغلف رأسه ضباب لا يعرف ماهيته وينتقل من زمان إلى آخر ومن حالة إلى أخرى، ذكريات مثل الطيور المهاجرة تتدفق من كل حدب وصوب تداعب المخيلة وتتحول إلى حقيقة واقعة نراها بأم العين… ما العمل إذا كان الزمن يبدع في تغيير ملامحنا لكنه يعجز عن تغيير ما بداخلنا…؟!

نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار