الوحدة:6-9-2023
اللغة غير المقشرة نصوص عفوية ذات نكهة بهية صادقة تشبه كاتبها ووداعة بيئتها وتحمل بين طيات حروفها الكثير من الإلفة والطيبة وتقودنا حكاياتها وشخصياتها إلى مفترقات حزينة وحنونة، لغة قادرة على استنبات الدهشة والإعجاب معاً تحوي قدرة سحرية على جذب القارئ وتقييده وإرغامه على متابعة القراءة، عند قراءتها يداخل القارئ شعور غريب يصعب عليه إدراك مذاقه ونكهته، لغة لا تورث كاتبها إلا الكثير من العوز والمزيد من الفقر… كاتب الفقر الأعزل يوسف المحمود نشأ في الريف الجبلي وعاش حياة البرية وتعلم الحرية والتمرد على الواقع والظروف من قسوة الطبيعة وصعوباتها، يحمل فقره الشديد الأبهة والوضوح على أكتافه كأي بائع جوال، في كتاباته بكائيات القرى والقرويين في عيشهم وحياتهم الذين يجمعهم الفقر والفاقة.
الأدب وسيلة للكشف عن الحياة والواقع والبحث عن عوالم حرة وجريئة ومتجددة، والكتابة موهبة وسبيل لتفريغ ما لدى الكاتب من ضغوط حياتية ونفسية، فهو يتأثر بالبيئة التي نشأ فيها، يكتب من جيشان الأحاسيس والمشاعر في أعماقه وبتحريض الظروف المختلفة التي تحيط بنشأته والمعاناة التي تجعله متمرساً في نبش بيئات قصصية مهمشة بعيدة، يصف مكوناتها واستجلاء ما خفي من أشكالها ومنغصاتها، يعيدها إلى الواجهة بأسلوب فني حكائي معبر بسيط شفاف ليس فيه إغراب أو ابتذال بلغة نافرة بكر في واقعيتها ملموسة في تفاصيلها بعيداً عن تسوق الكلام وحماسته الارتجال، والسمة النفسية الغالبة على كتاب النصوص النافرة هي التمرد والسوداوية والفوضى والخوف والرعب الذي يطبق على الأنفاس ..
يقول حليم بركات: (ما زلت أشعر بالجوع حين أتذكر أرغفة القمح الساخنة المخبوزة على التنور، خصوصاً بعد موت أبي كنا نضطر أحياناً لأكل الخبز المصنوع من خليط القمح والذرة والشعير وهو خبز الفقراء).
الكاتب حنا مينة ولد لعائلة فقيرة وعاش طفولة في محيط اجتماعي متخلف في حي المستنقع في لواء اسكندرون، وجاء على لسانه في روايته ( الجسد) متحدثاً عن سيرته الذاتية: (كنت أيها المأفون ترغب في تغيير العالم، ودون أن تعرف ما هي الكتابة كتبت خربشات أسميتها مسرحيات أنت بطلها، وفيها تغير العالم في ستة أيام وفي اليوم السابع تستريح، وقد ضاعت هذه المسرحيات وأنت غير آسف عليها، لأنك لا تأسف على ما فات وتتطلع إلى ما هو آت).
اللغة النافرة قادرة على نقل نبض الحدث وجمالية لنبض المكان المحلي بعاداته وتقاليده ما يحمل أحلك الأمكنة وأوعرها رمزاً للحميمية والدفء، وتمكن من إدراك مفاصل المجتمع ونقل قسوة الحياة بليلها وهمها وغمها وحرها وحلوها ومرها وتصوير يوميات حياة الفقراء التي يفوق قطرانها سواد لياليهم بكلمات عارية ذات نتوءات وزوايا حادة وصلدة تختزن كثافة العاطفة والحب، بعيدة عن أي خلفية خبيثة…
تميزت أغلب كتابات محمد الماغوط بالنصوص النافرة التي يملؤها الاحتجاج والتمرد والصراخ والحزن، لغة عفوية تشبه قمصانه ونواح رياح الشقاء في ملامحه، كتبها بمزاج حاد خلط فيه اللغة الشعرية بالمسرحية، وقد تميزت مسرحياته( المهرج – العصفور الأحدب – خارج السرب – غربة – ضيعة تشرين- كاسك يا وطن) بروح السخرية والمرارة والنكتة الشعبية الطازجة.
نعمان إبراهيم حميشة