العــــــــــــــدد 9356
الثلاثاء 28 أيــــــار 2019
كثيراً ما كان جارنا يتحرى أفكاره في جلساته وسهراته، يتفحصها في هدوء، فيجد بعضها على دروب النسيان تسير، والأخرى في كبوة كموال قديم غصّت به حنجرة مغنٍ.
على الرغم من تبدل العادات عليه واختلاف العلاقات، وتجدد الأدوات وتنوعها، إلاّ أنّ كل ذلك لم يقتلع من صدره حبه للأرض ورائحتها، وشغفه للأشجار وأغصانها، لم تعنه وظيفة ولا مكتب رسمي أو عمل في دائرة حكومية أو مؤسسة، بل انصرف إلى العمل في أرضه، يحرثها ويشق تربتها بيده، يبذرها ويضع الغراس فيها، ينقل الماء إليها ليسقي شجيرات غرسها منذ أيام، راحت تنمو في نفسه كما في الأرض تعلو، لتنشر الغبطة والحبور والثمر والخضرة..
على أطراف الحقل أخذت الأنسام تعزف موسيقاها باصطفاق أوراق أشجار الحور الجميلة كأغنية على طريق السفر، ومن الروابي القريبة المغطاة بأشجار التين والزيتون التي أبدعتها وقدّمتها يد هذا الفلاح، راحت العصافير تتهادى بطيرانها وتنقلها عليها في إيقاع موزون الصدى لأصوات ترسلها لحناً وغناء.
في كل صباح ورواح كانت الأرض تنتظر عودة جارنا والعصافير ترقب مجيئه، تفصح عن مواجد الفرح والانتظار في لهفة الترحاب..
كان يقول: انظروا يا أبنائي، هذه الأرض التي تزدان بالأشجار وتكسوها الخضرة وترقص في جنباتها الأطيار، كانت من قبل أن ينكشها معولي وأسقيها وأروي زرعها وأغرس شجرها ميتة، جرداء قاحلة، إنّها الآن تنهض من موتها، من نومها الطويل إلى الحياة والعطاء خضرة وأشجاراً في حضرة الزهر والثمر.
لننهض جميعاً في حملة إعمار الوطن ونموه وازدهاره.
بسام نوفل هيفا