العدد: 9354
الأحد-26-5-2019
في ذلك البيتِ طالبٌ علّق آماله على النّجاح، ومريضٌ يرجو الشّفاء، وحالمٌ يتمنّى السَّفر ولوْ سيراً على أطراف أصابعه!
بقي مراهقان في المنزل، الأوَّل يحمل الخليويَّ كما تحمل الفراشةُ ألوانها، والآخر مثل نحلةٍ تبحث عن الرَّحيق بين مواقع التَّواصل، وكلاهما يختلفان ويتَّفقان في لحظةٍ واحدةٍ!
الأبُ دائم السَّعي ما بين المنزل وخارجه حرصاً على آمال الأُسرة، وهو يتذكَّرُ دائماً القمر الذي يبرز فوق بيوت القرية، وحين كان يصل إلى أحد بيوت المسَّهدين الّذين قَلَّ نومهم، يختبئ خلف الأشجار، ويتذكَّرُ كيف قُطعت الأشجار.
لكنَّ القمر لم يأتِ، بل راح يختبئ خلف غيمةٍ! أمَّا الأم، فشديدة الحرص على غسل الآمال وتوضيبها لتكون صالحة للاستخدام، وما بين الحين والحين، تطرق على جارتها لتطلب بعض الأمل عل سبيل الإعارة، فتردُّ الجارة في كل مرَّةٍ وتقول: كلّ ما نحصل عليه من أملٍ لا يكفينا لعشرة أيّامٍ في الشّهر، والباقي يأتينا عبر الصُّور والأحاديث من انبتنا التي تقيم خارج البلاد.
تعود الأمُّ أدراجها وتضربُ كفَّها وتسأل: هل نحن مسرفون حقَّاً؟!
تكرِّرُ السُّؤال على زوجها بطريقةٍ أخرى: كم كنتَ مخطئاً حين لم ولن تدَّخر شيئاً؟
فيجيبها: شجرةُ آمالنا يبس معظمها مع مرور الأيَّام، وما تبقَّى منها لا يكاد يكفي ثمرةً من فاكهةٍ، أو حبَّة دواءٍ، أو ابتسامة عابرة ضلَّت طريقها إلينا.
لكنَّ الآمال ليست كلَّها بيضاء، فالموت أحياناً أحدها، ثمَّ قصَّ عليها حكايةَ ذلك الرَّجل قبل ألف عام، والّذي ضاق صدره بالآمال، فحمل الباقي على ظهره ومضى إلى سبيله، وحين اعترضه نهرٌ يهيجُ بسيوله: تأمَّل صاحبنا صورته المرسومة في الماء كأكبر كيس عومٍ، فلم يتردَّدْ بإلقاء نفسه، ومن يومها لا تزال بقايا آماله تطفو كلَّما حلَّ موسم السُّيول.
لكلٍّ منَّا موسمٌ لسيولٍ يذهب معها وتبقى آماله.
سمير عوض