الوحدة : 30-7-2023 جرياً على عادتها في تكريم علمائها و شعرائها و مبدعيها الأجلاء، تحتفي الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مثل هذه الأيام من كل عام بالفيلسوف الإشراقي والشاعر العرفاني الشهير “شهابُ الدين يحيــى بن حبـش السـُهروردي” المولود فــي “سُهر ورد” زنـجان ” غرب إيران ، والذي حط رحاله فــي (حلب) زمن ولايــة الملك ” الظاهر الأيوبي .
اشتهر السهروردي بفلسفة الإشراق و ألف فيها العديد من المؤلفات و كان من أشهرها كتابه” حكمةُ الإشراق” الذي رأى فيه :” أن الإنسانَ لا يبلغُ الكمالَ إلا في اللحظة التي تفنى فيها معرفتُه في العارف”. واعتبر النورَ الإلهي وحده الذي يسكن الأفئدة و يبدد ظلاميتها، ويزداد نوراً في فضاءات العقل والنفس المطهرة كلما تخلّص العقلُ “القلب” من ظلمات الجهل والخطيئة، ويقول أيضاً ــ بتصرُّف ــ :” وإن المُتصل بالحضرة الإلهية، يكشفُ له اللهُ حجاب ما استُتر من العرفان والعلوم، فالإشراق حالة انتقال كشفي للمستور الرباني، والفيض الروحاني، والخلاص من الظلماني عبر السوانح النورانية.
وقال تعالى في هذا الشأن:
” سنُريهم آياتنِا في الآفاقِ وفي أنفُسِهم حتى يتبيّن لهمُ أنهُ الحقُ”. فصلت / 53.
وقد صاغ السهروردي جُلَّ أفكاره ِالإشراقية العرفانية شعراً، وجعل من الخمرة رمزاً للحب الإلهي، ابتغاء الفوز بحالة التماثُلِ والاتحاد بالله، وكانت تـدور سائرُ مؤلفاتـه ِ وما تركه من آثار فكريـة حول العلوم التأملية لفهم تجربـة “حكمة ُالإشراق” ومشاهدة الأنوار الروحانية ففــي كتابـه “المُطارحات” رأى ” أن السالكَ عبر الحكمة صوب الأنوار الإلهيـة ، هو المُتجرد ُعن اللذة الدنيوية “.
أُخذ عليه بعض الباحثين تضمينه وصف الخمرة ولذائذها في قصائده، وحقيقة الأمر فإن وصف الخمرة هو تقليد اتبعه شعراء العرفان للتعبير عن الحب الإلهي، فهي تُحمل في دلالاتها و معانيها على المجاز ، وفي هذا السياق اشتهرت قصيدته ” الحائية ” الذي قال في مطلعها :
أبداً تحِن إليكمُ الأرواحُ ووصالـــكُمُ ريحانُها والراحُ
وقلوبُ أهلِ ودادِكمُ تشتاقُكُم وإلــــــى لذيذِ لقائكمُ ترتاحُ
وارحمة للعاشقينَ تكلفوا سرُّ المحبةِ والهوى فضاحُ
بالسرّ إن باحوا تُباحُ دماؤُهمُ وكـــذا دماءُ العاشقينَ تُباحُ
حُكم على “الشاعر والمفكر العرفاني” السُهروردي” بالإعدام من قبل السلطات الحاكمة سنة (587 هـ) نتيجة وشايات كاذبة و تُهم ملفقة لا أساس لها من الصحة، و لكن إرثه العرفاني و فلسفته الإشراقية بقيت خالدة على الرغم من مرور مئات السنين على رحيله.
منير الحافظ