العـــــدد 9353
23-5-2019
وسط حضور مميز من أهل العلم والأدب والثقافة أقيمت ندوة في فرع اتحاد الكتّاب العرب، تضمنّت دراسةً نقديةً لرواية (البحث الأزلي) للكاتب عبد الكريم الخيّر، شارك فيها كلّ من د. عيسى درويش، والأستاذ نزار شيبان، وأدارها د. صلاح الدين يونس رئيس فرع اتحاد الكتّاب العرب باللاذقية.
البداية كانت مع د. عيسى درويش، الذي قدّم لنا سرداً ملخّصاً لأحداث الرواية، من حيث الزّمان الذي ينتمي إلى الأزلية، والمكان وهو أرض سورية، مهد الحضارات والأديان، والإنسان الذي هو اليتيم إبراهيم (بطل الرواية) الذي يعيش صراع الانتماء الديني، ويطرح أسئلة الوجود الأزلية التي يتركها الكاتب (عبد الكريم الخيّر) معلّقةً بلا أجوبة، وقدّم د. عيسى شرحاً مستفيضاً عن أبطال الرّواية، مركّزاً على شخصية (إبراهيم) وعلاقاته مع أمّه، وزوجها ثم زواجه من (أمل) و لاحقاً علاقته المحرّمة مع (مادلين)، وتنقّله بين أكثر من مكان، باحثاً عن الأنا الداخلية، وتناول د. عيسى براعة السّرد الدرامي وتكثيفه في الرواية، خاتماً بالإشارة إلى أنّ الكاتب أراد أن يشعرنا أنّ الإنسان يطرح الأسئلة منذ الأزل حول الوجود، لكنه يبقى تحت رحمة الغيب.
ثم قدّم الأستاذ نزار شيبان ملخّصاً عن الرّواية وأحداثها، مبيناً أنّ الكاتب استخدم أسلوب السّرد الذّاتي على لسان البطل (إبراهيم) فعبّر عن حالته وأسلوبه وبحثه عن الحقيقة وأنه يريد الوصول إلى ما يرضي العقل، ولذلك جعل بطله إنساناً لا جذور له يسير في طريق صعب، متنقّلاً بين الكنيسة والجامع، كما تحدّث عن شخصيات الرواية التي حركت الأحداث لكنها لم تكن على سويّةٍ واحدةٍ من حيث الأهمية، إذ أفرد الكاتب للبطل كثيراً من السّطور، كذلك شخصية (الأمّ) المحورية التي كانت المحرك الرئيسي في مفاصل الرواية كلها، شارحاً معاناتها بعد فَقْدِ زوجها، وتمسّكها بالقيم والمبادئ الريفية، فهي الأرض التي تعطي دون مقابل، والملهمة لإبراهيم.
كما تناول الأستاذ نزار شخصية (أمل) الحبيبة والزوجة التي تمثّل الطيبة والإخلاص، أيضاً شخصية (مادلين) الفتاة اللّعوب التي تعيش الحياة المترفة بكل تفصيلاتها، أما بقية الشخصيات كانت ثانوية مهمتها مساعدة الرئيسية.
وتطرّق الأستاذ نزار إلى الحوار في الرّواية، وهو وسيلة اتصال الشخصيات وكشف أعماقها، كان قريباً من واقع الحياة، سلساً، موجزاً، لكن يؤخذ عليه عدم وجود فواصل وهذا خطأ مطبعي إخراجي.
ومن حيث الحبكة القصصية نوّه الأستاذ نزار إلى أنّ الكاتب حاول استخدام الحبكة المحكمة، المتدّرجة المتشابكة التي تصل حدّ الذروة ثم تتلاشى شيئاً فشيئاً، وأشاد بالبيئة التي نجح الكاتب في تصويرها من ناحية الإطارين الزماني والمكاني، وقدّم لنا شواهد من عدة مقاطع في الرّواية.
وعلى هامش الندوة التقينا الكاتب عبد الكريم الخيّر الذي حدّثنا عن روايته (البحث الأزلي) قائلاً: (ولأنني وجدت نفسي تحت وطأة هاجس البحث.. أصرخ في سكوني وحركتي.. في نومي ويقظتي.. أصرخ من الأعماق.. أنقذني أيها القادر العليّ.. أرشدني لمعرفتك، وخذني برفقٍ لأكشف الحقيقة الأبدية المجهولة، هكذا رحت أسأل نفسي: هل أنا العاشق الوحيد المؤرق بهذا الهاجس..) من هنا انطلقت مع بطل روايتي (إبراهيم) نبحث عن الحقيقة والجذور والجواب، هل وفّقت؟ لا أجزم لكنني طرحت السؤال ورحت أبحث وما زلت، وأقول هنا: من عظيم المعاناة وجدت نفسي غرِقاً في محنة إنسانية أزلية، جعلت إبراهيم يخوضها وهيأت له الظروف المعقدة فظهر وكأن السّماء اختارته لهذه المحنة الملحمة.. وقدّم لنا السّيد عبد الكريم شرحاً موجزاً لأحداث الرّواية وشخصياتها وتفصيلاتها منوّهاً إلى أنه أراد من روايته القول: إن نظرته لكل الأديان والمذاهب واحدة، تنهل من نبع واحد، تنشر الحقّ والصواب، لكن اتباعها حرّفوا وبدّلوا حسب أهوائهم ورغباتهم، آملاً من قارئ الرّواية التحلي بمكارم الأخلاق وتحكيم العقل.
ريم جبيلي