لوحة من التراث الجميل

الوحدة : 19-7-2023

قام الأهالي متعاونين ببناء خمس طواحين كل منها تلي الأخرى على نفس الساقية للاستفادة من المياه الفائضة للعين، حتى أن نفس المياه التي كانت تدير الطاحونة الأولى (الأعلى) كانت تدير الطواحين الأخرى ضمن آلية عمل محددة .. بهذه الكلمات النابعة من صميم الذكريات استهل المؤلف عيسى أبو علوش حديثه عن طاحون المياه وذلك في كتابه الشيق : ” من عبق التراث في جبال الساحل السوري” مشيراً إلى المعاناة الكبيرة التي كان يعانيها الناس أيام زمان في الحصول على الطحين عندما كانوا يحملون القمح على أكتافهم أو دوابهم ويعبرون به جبال الشعرة شرقاً ليصلوا إلى أقرب طاحون ماء وهي طاحون (أبو قبيس) ولإنهاء معاناتهم فكروا ببناء طاحون تريحهم، وأوضح المؤلف أن هذه الطواحين كانت تدر على أصحابها دخلاً جيداً فهم يأخذون أجرهم طحيناً خالصاً بنسبة معلومة ولكن (مشايلة)، وكان المواطنون يطحنون مؤونة أسرهم لسنة كاملة يعبؤونها في عنابر خاصة لوقت الحاجة، وكان القادمون من قرى أخرى يقيمون في بيوت أصحاب الطواحين مع دوابهم يأكلون ويشربون وينامون حتى تجهز طحناتهم، ولأن عمل الطاحون يكون حصراً في فصل الشتاء البارد كانوا يشعلون نار الحطب داخل الطاحون للتدفئة كما كانوا يشربون الشاي ويشوون دوّام السنديان الطيب في جمرها.

وفي السياق ذاته قدّم المؤلف شرحاً وافياً عن مكونات هذه الطاحون قائلاً: يتكون جهاز الطاحون من قسمين: القسم الأعلى يكون على شكل (قمع) كبير واسع من الأعلى وضيق من الأسفل يتسع لأكثر من سعة شوال حنطة تسكب فيه الحنطة المراد طحنها ويتصل في أسفله بمزراب صغير عليه سدادة تمكن العامل من السيطرة على القمح فيستطيع إغلاق المزراب نهائياً أثناء توقف الطحن .. أما القسم السفلي فيتألف من حجري رحى الطاحون الكبيرتين المستديرتين وهما الصخر البازلتي الأسود المتين، الحجر السفلي منهما تكون ثابتة والعليا تدور فوقها وبينهما ينزل الحب الذي يتحول إلى طحين، وتابع المؤلف شرحه بالقول: على طرف غرفة الطاحون يشاد بناء إسطواني بارتفاع الشير الصخري يسقط الماء بداخله ويسمى (الجب) وقي أعلاه يكون (المشد) الذي تتجمع فيه المياه حتى يمتلىء وتكون فتحته في أعلى فوهة الجب ومساحة المشد يجب أن تكون واسعة لتجميع أكبر كمية ممكنة من المياه وبعمق حوالي متر واحد ويسحب إلى المشد مأخذ المياه من ساقية العين مباشرة لتأمين المياه اللازمة بسرعة، وكانت المياه المتصادمة ترتد بقوة كبيرة، متناثرة عبر فتحة واسعة نحو الخارج لعدة أمثار داخل شد الطاحونة الثانية، ومنها إلى الثالثة وهكذا فعندما كانت الطاحونة الأولى تدور فإن الطواحين الأربع الأخرى بالضرورة تدور.

ندى كمال سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار