بين الشـط والجبل ..لحظة صحو عابرة

العـــــدد 9350

الإثنـــــين 20 أيار 2019

 

أطلقت نداءاتي في المدى فجاءني الصدى عطشاً مثلما يعطش للندى المرعى،
كسَّرني الرحيل، وظلَّ ظليِّ يخاصم ظليِّ، فَخبَّأتُ صوتي في راحتيَّ، وفَرْرتُ إلى ذاكرتي استنهض فيها ضلوع الفجر.
رَّفتْ نحلةٌ عاملة حول وجهي، ظنَّتْ حالمةً أن وجهي يُشبه زهرةً فوَّاحة، وأنها أرادت الرحيق . . آه ِ. . ما أصعب الخيبة حين تلطم أحلامكَ وتتشابك خاصرتك!
****
حين كلَّمْتُها، رجوْتها أن تختصر نعاسها كي تمرّ أغنيتي ملفوفةً بمناديل الحِداد، كان كلُّ ما حولي يحبس أنفاسه، وحين أطلَّ القرنفل بكتْ قطرةٌ من دمي . .
استيقظ بي حنين، وراح ينثر بوحَهُ المرتعش فوق أرصفة العْزلة ورأيت أيَّامي تتعرى من زرقتها، ورأيت كيف حلمي راح يتعثَّر بظلِّه.
****
على شرفتي يتثاءب الغمام، وثمة مركبٌ للحنين أعيَاهُ الانتظار، فرجتُ أرتِّب أوراق ضياعي وقد نزفت حقائبي من غربتها، وأخذت أنفاسي الهرمةُ تتصاعد عابرةَّ دروباً من هجير.
****
على قارعة الليل شاخ صبري بين ضلوعي، فعدوْتُ ألملم أوجاعي وأفرشها على مدارج اللهفة.
كانت دروبي كلَّها مسيَّجةً بالصمت ولا شغل ليديَّ إلا مسحُ الحزن عن جبيني، والتوغُّل في ظلال النسيان.
في الطريق إليك، خطف المجهول خطواتي، واحترقت زرقة المسافات، وكان ثمة ضباب يلتحف لهائي، وخُيِّل إلّي أهيم في وحشة من عراء فأودَعْت قلقي نوافذ الغروب وألبسْتهُ عباءة المغيب، ورأيتني أترنُّح عبر الضجيج وأرى كيف استمالت ألوان النهار إلى الرمادي، فافترشتُ غلالةً شجيَّة النهدات، وبدأ الشوق ينتشر كالفطر عميقاً في صدري وسَرتْ في جسدي رَعْدةُ كدرِ كانت مدفوعة طيَّ أحزاني.
****
زفرتُ دفعةَ هواء كبيرة، ومرَّتْ لحظة صحوٍ عابرة، ورأيتها بكامل مفاتنها، تتبسَّم بنعسِ يطفو على العينْ، مع بقايا صوتٍ يتهدَّج بعاطفةٍ رقراقة.
****
أحسسْتُ بالزمن يُعرّي ذاته ويرسل إليّ الصورة الأكثر نقاء من بقايا طفولتي، وطوّقتني سقسقة (جب الفواَّر) ورقرقة ساقية (تُدعى ياسين).

سيف الدين راعي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار