العدد: 9278
الأحد 27-1-2019
قبلَ أن توقظَ الفجرَ، وقبلَ أن تقبض على جنح نسرٍ، رحلتَ أو ربَّما غفوتَ قليلاً، ثمةَ ديكٌ ماتَ عندَ الفجرِ قبلَ أن يوقظَ الشمس، هم الأولياءُ يولّونَ ظهورَهم للغنائم والحروبْ، وكما الأمهاتُ يَفضُنَ بالأمومةِ والعطاءْ، كما الجياعُ يرسُمونَ لحظةَ كلِّ مغيبٍ على شكلِ رغيف، فتطفوا أصواتُهم على سطحِ ماءِ الغياب، أراكَ فوقَ ضفة البيتِ، تفتحُ كفيكَ وتصنعُ منهما جُرناً لتُسقي العصافير، توقظُ أرواحَ من أوقدوا النارَ تحتَ القُدور، ولا شيءَ فيها سوى حفناتٍ ماء تُغلى، تَلُمُّ غمرَ القصائد، ظلالَ من اعتذرتَ منهم، كبّروا ثم ماتوا شهداءَ الوطن والحريةْ، ولأجلِ الذين سُيولدون.
****
وحيداً تحتَ جناحِ أغنيةٍ تنتظرُهم، تنظرُ لهم على قيدِ جرح، وقيلَ أن تعودَ إلى جناح أمِكَ، تسألُ فجرَ العائدينَ من الحقول: أتعودُ أمي، أم أمضي إليها؟!
من يعيدُ لي غمرَ المحبةِ؟ من يعيدُني إلى حِضِنها القمريّ؟ من؟
****
طائر الليل حطَّ على حُجرِ النهرِ، ففاضَ النهرُ وهماً، هذي الحناجرُ تقضُّ مضاجع الأمهاتِ، وهذي الخيامُ على وشكِ التمزقِ أرواحُنا تنحني كقوسٍ، الجهاتُ شظايا، والمفازاتُ قِفارٌ، هذي تلويحةُ الأملْ، هذي الفجائعُ أنضجتْنا كالعناقيد، وبعثرتنا مثل غيمٍ شارد هذه الحربُ، وقبلَها لنا سعداءَ كشُربةِ ماءٍ وادعين كطائرِ حمام.
وها نحن اليوم، نقفُ عن حدٍّ جُرحٍ، يسمرُنا خوفُنا والرصاصْ وخُطانا هشةٌ، والمدى خَواءٌ، أحلامُنا واهنةٌ كصدرِ عجوز، نحاذرُ النومَ، نترددُ في الصعودِ، نتوقُ إلى الينابيعِ، نتوقُ إلى بردى وقاسَيون سيفُ الفجيعةِ يأكلُ لحمنا وأيامُنا مُسَمّرةٌ على شُرفاتِ الحروب، والحربُ ليستْ على وشكِ الانقراض، إن لم نكنْ من يطفئ نارَها ومن يقتلُ فيهم غَدرَ الذئاب.
****
تصحو الطفولةُ، تُراقصُ الناياتُ قاماتِ السنابلِ، على وقعِ الحنين سنلقاهمُ فوقَ التلال، لنعيدَ إلى الأشجارِ القصائدِ، وللأطفالِ فرحةَ العيدِ والأراجيح.
وفي غفلةٍ مما تبقّى من الوقت، مكرسُ فوقَ بيادرِ الغيمِ، وأحزانَ المطر الحرون، ندحرجُ صخرةَ الأيامْ ونجري مع الرُعاة، عيونُنا تضيقُ على اتساعاتِ البراري، تَضيعُ المفاتيحُ وتذوي أزهارُ التلالِ ،نذوبُ ندىً على ثغر القصيدة، تلك زيتونةٌ تحنو وذا نهرٌ يغني للقادمين إلى ساحات الحياة، شهداءَ نصرنا الجليل.
بديع صقور