العدد: 9349
الأحد-19-5-2019
أدب الأطفال ضرورة تربوية تثقيفية تساهم في تشكيل خلفية ثقافية وتوعوية تدعم فهم الطفل، وتمتنّ ارتباطه بمجتمعه وبيئته ووطنه عبر القيم العديدة التربوية والأخلاقية التي تغرسها في نفوس الأطفال، وإذا ذكرنا على سبيل المثال لا الحصر، أشعار الكبير الراحل سليمان العيسى، وحكايا أيمن شيخاني (كان يا ما كان) وقصص مجلة أسامة والعربي الصغير، والمكتبة الخضراء، ولا ننسى هنا ذكر مسرح الطفل وأفلام الطفل، ولكل ما تقدم كبير الأثر في بناء طفل مميز بوعيه وثقافته، الأمثلة السابقة خلقت لدى الطفل السوري عوالم جميلة من التثقيف المترافق بالمتعة والخيال والتشويق وساهمت في بناء أجيال عديدة ملتزمة بإنسانيتها وقيمها الوطنية فأين نحن اليوم من أدب الطفل، هل لا زال فعّالاً، أم يتهدده الخطر ككل المكونات الثقافية بفعل مسببات عديدة؟ للإجابة على هذا السؤال اخترنا أديبين مميزين بتجربتهما الشعرية، القصصية والمسرحية مع الطفل فكان الآتي…
وقفتنا الأولى كانت مع الشاعر المعروف محمد وحيد علي، الذي يضيف قريباً جداً إلى تجربته الشعرية الطويلة إضافة إلى أدب الأطفال شعراً وقصة مسرحية انتهى من كتابتها مؤخراً فماذا قال عن تجربته المسرحية الموجهة للأطفال وأهميتها وعن واقع أدب الطفل برأيه اليوم؟
للمسرح الموجه للطفل أهمّية خاصة إذ يتحول فيها النصّ الأدبي إلى فرجة بصرية تجذب الطفل وتمتعه، فكانت تجربته المسرحية الجديدة والتي حملت عنوان (خدعة الذئب) والتي سُتعرض لاحقاً على خشبة المسرح القومي في اللاذقية، وزدت عليها عدة مسرحيات آمل أن تأخذ دورها في العرض على مسارح بلدنا.
وبالعودة للموضوع فيما يخص تجربتي في القصة والشعر للأطفال أقول: إن الشعر والقصة عالمان مفيدان جداً للطفل كونهما يشكّلان حافزاً فنياً وثقافياً في حياة الطفل ومن شأنهما أيضاً تنمية ثقافة الطفل وصقل مواهبه وشخصيّاً أنا أحمّل ما أكتبه قيماً تربوية أبثّها بشكل فني في القصة وفي الشعر وقد اعتمدت وزارة التربية في منهاجها التربوي المدرسي للمرحلة الابتدائية بعضاً من كتاباتي الشعرية في الصف الأول والرابع والسادس وبالنسبة لواقع أدب الأطفال اليوم، يَصْدُرُ كثيراً باسم أدب الطفل، لكن حقيقة الأمر أنّ ما هو جيد أو على سوية مميزة، قليل جداً لأنّ الكتابة للأطفال من أصعب الفنون، لأنّ معظم من يتصدّون لأجناس أدب الطفل غير مؤهلين لذلك لأن الكتابة للطفل تحتاج لموهبة كبيرة ومثابرة وتضحية من قبل الكاتب.
ولكننا نأمل أن يكون هناك تعاون بين الأسرة والمدرسة والمجتمع واهتمام لتتضافر كل الجهود للمضي في أدب أطفال نموذجي، ينشر الألفة والمحبة والتسامح وكل القيم الجميلة الأخرى بين الأطفال لخلق أجيال مُحبّة وملتزمة بمجتمعها وقيمها ووطنها ومع شهرة المتطفلين في الكتابة للطفل إلّا أن هناك أسماءً جيدة مثل بيان الصفدي (شعر وقصة ونقد للأطفال) وموفق نادر- شعر، محمد قرانيا – قصة وشعر، ونزار نجّار- قصة هناك نقص هائل في رفد الطفل بالمجلات المتخصصة، حتى على مستوى الوطن العربي مجلات الطفل محدودة.
وقفتنا الثانية مع د. حمدي موصللي وهو صاحب تجربة مسرحيّة كبيرة عربيّاً ومحليّاً للطفل، وعضو اتحاد الكتاب العرب، وحائز على جوائز عربية عديدة له أكثر من ثلاثين /30/ مسرحية للكبار والصغار فماذا قال عن تجربته وواقع مسرح الطفل اليوم؟
المسرح فنّ شرطي مركّب يجتمع فيه البصري بالسمعي بالتشكيلي بالموسيقا والغناء والحوار والحكاية هذه العناصر كلها تشكل المسرح، وهذا المسرح في كل الوطن العربي عامّة مصابٌ بداء إدارة الظهر له عن المحيط الذي يعيش فيه، فهو مُرْتهَن إلى النص الغربي، ولا يجد له صورة أصلية أو هوية حتى تاريخه، لهذا نجد المسرح عامة ومن زمن يعاني، ليس فقط اليوم، في إشكاليات هامة، أهمها النصّ المبدع الطفلي ونص الكبار إضافة إلى أن أدواته وتقنياته تفتقد الدعم المؤسساتي، فنرى دُور المسارح الغير مجهزة بالتقنيات الأساسية كحد أدنى لإقامة العروض، فلا يوجد مثلاً في سورية مسرحاً مكتملاً حتى تاريخه كل هذا يؤدي إلى أزمة المسرح.
مسرح الطفل في سورية ما زال يحبو، وإن بدأ عام 1970 عندما بدأت المؤسّسة الرسمية تُعنى به، فأقامت له مسرحاً رسمياً اسمته مسرح الطفل التابع لوزارة الثقافة ويتفرع عنه مسرح الدمى وبدأ بخطوات حثيثة وجيدة في البداية، إلًا أنه تعثر فيما بعد لأسباب نوهنا عن جزء منها وهو الدعم المادي والفني الضعيف، وهو بالدرجة الأولى، ممّا سمح لبعض الفرق التجارية بنقل هذا المسرح إلى الفنادق الكبيرة وبأجور مرتفعة، وكأن الطفل السوري من شريحة الأغنياء مما شوّه الحالة المسرحية التي تعثرت هي الأخرى لأسباب عديدة ولا سيما بعد دخولنا في هذه الأزمة الأخيرة.
نفتقد اليوم إلى النص الحقيقي من المبدع الحقيقي، ما نراه هو إعادة صياغة بعض الحكايا المعروفة والتي مللنا منها، كذلك نفتقد إلى المخرج المختص الذي يُلّمّ بأدب الطفل أولاً وبعلم الاجتماع النفسي (سيكولوجيا الطفل) ثانياً ونفتقد الابن الشرعي للتمثيل الذي خرج من حضن التمثيل مع أنني لا أنكر أن أفضل المتوفر للعمل المسرحي هو الممثل ما ذكرته هو جزء من جملة إشكاليات عاقت مسرح الطفل، ولن أنسى ذكر لجان الوصاية التي توضع على مؤسسات نشر أدب الطفل، وهي لجان غير مختصة في أغلب الأحيان لا تواقف على سبيل المثال على نص مسرحي في سورية، بينما يُقبل هذا النص المسرحي نفسه في دول أخرى، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدل على أن ذائقة تلك اللجان ضعيفة وينقصها الخبرة، فالكثير من قراء وزارة الثقافة، ووزارة الإعلام، واتحاد الكتاب أعرفهم تماماً وأعرف أنهم غير جديرين بما يقرؤون وأغلبهم بالتأكيد وليس كلّهم.
مهى الشريقي