يأتي العيد ولنا في القبور أحبّة..

الوحدة: ٢٣-٤-٢٠٢٣
زيارة المقابر عادة وتقليد دأب عليه الكثير من الناس، وهي تكاد العادة الوحيدة التي يواظبون عليها ويتمسكون بها رغم كل الظروف الصعبة التي يعيشونها، ففي هذه الزيارة تنضوي حكاية وجع تروى عند كل قبر… كما أن الزيارة الصباحية التي تعقب صلاة العيد هي مهرجان يعقد ولكن ليس مهرجاناً للفرح بل مهرجان للدعاء وللدموع ولبثّ الشوق والنجوى والأنين وحتى للشكوى من الزمن الحاضر، وهم بذلك يتشاركون الأنين والوجع في تفريغ لمشاعر مكبوتة وحزن دفين.
غشاوة تكدّر صفو العينين لسيدة في مقتبل عمرها وعبرات تذرفها وتجري على وجهها لتنهمر على قبر يضم بين جانبيه زوجها الشهيد الذي خطفته حرب جائرة لتقول في كل عيد تتجدد الأحزان بغيابه، ومنذ استشهاده أزور قبره أعايده بوضع الزهور، أكلمه وكأنه حي يرزق أشكو له الصغار، تأمين مستلزماتهم، دراستهم وكم بعده جارح ومتعب ، لافتة بأن الحديث مع الأموات بات يريح أكثر من الحديث مع الأحياء.
أم مازن لم تمنعها سنواتها ال ٩٠ وذاكرتها التي خلفت عقوداً من الزمن في غياهب النسيان والتي مازالت تحمل في طيفها هواجس تجعل من زيارة قبر زوجها المتوفي منذ سنين لازمة وواجب لابد من قضائه في أيام العيد كلها.
سليمان أحد الزائرين الذي اصطحب معه ولده الصغير يقول بأنني عندما أزور قبر أمي وأبي أرجع ذلك الطفل الذي كبر وترعرع في كنفهما حتى صار رجلاً، لافتا بأن زياته لهما توقظ فيه الحنين والشوق لرؤيتهما وتثير في داخله مشاعر يصعب وصفها في تلك اللحظة التي يخطو فيها إلى المقبرة في تقليد دأب عليه منذ أن كان والده يصطحبه وإخوته لزيارة قبر جده، ففي زيارة القبور تذكرة وموعظة..
وتلك السيدة حرصت على تنظيف ما حول قبر ابنها ومنشغلة بسقي الزهور ووضع الريحان والجو مشبع برائحة البخور، وتلك الصبية التي تسند رأسها على قبر والدها داعية له بالرحمة، تقول عندما أزور قبر والدي أشعر بأنه قريب، أحادثه وأشكو إليه حالنا وأقول له كم اشتقنا إليه وأخبره عن حجم الفراغ الكبير الذي تركه.
في القبور أناس ماتوا بأجسادهم ولكن تركوا روحهم وذكراهم بيننا وفي زيارتهم راحة نفسية للزائر وهي إحدى معاني الوفاء للمتوفى وإحياء لذكراه، وجب زيارتهم في كل عيد والدعاء بالرحمة لهم هكذا قال أحد الأشخاص الذي كان متواجداً عند قبر أخيه والذي ودّعه قبل العيد بأيام، يُقرؤه السلام ويتلو الفاتحة على روحه.
نجود سقور

تصفح المزيد..
آخر الأخبار