بين الشـط والجبل .. سئمت تكاليف الحياة

العـــــدد 9345

الإثنـــــين 13 أيار 2019

 

زرت (فديو) بعد غيبة دهر، فشعرت بالرهبة من وجودي في مكان مكتظّ بذكرياتي، هناك ولدت، حبوت، شببت، ثم فارقتها في عشرينات عمري جسداً، لكنّ روحي وفي سبعينياتها لا تزال عالقةً على تخومها، ومازال وحلها وغبارها، صفصافها وحورها، ينابيعها ووهادها، بصلها وليمونها، ومازال كل ذلك يرجرج النبض في جسدي.
***
زفرت دفقة هواء كبيرةً، أحسست بحنجرتي تتصلّب ورأيتني أحطّ على حوافي (جبّ الغوّار) أفترش خضرته، وأنهل ماءه، وأحملق بعيداً في السماء، وأرى الطيور على أنواعها تحوّم من فوق رأسي، كانت السماء صافية كصفاء تلك الأيّام.
***
بدأ صوتي يتهدج بعاطفة جياشة، ورأيتني ألوّن حقول الوعد، وأمتد بذاكرتي إلى سفح الجرنيات القريب من جب الغوار وأسوح على منحدراته . . أخذتني رعشة تشبه ارتعاش وردة في شفة الندى، وكدت أشهق بدمعي.
***
يقول الشاعر محمود درويش: (الذكريات هويّة الغرباء) وأنا الغريب هنا لا أملك إلا ذكرياتي أعود إليها كلّما امتّد بي العمر، وكلّما نظرت إلى المرآة ورأيت كم راح الأبيض يفترش لمّتي؟
***
قاتل هو الصمت هذه الأيام، وفي وحشة ما أراه ندّت عن شفتي كلمات تقول: أعيدوني إليها ولو جمراً، فأنا لا أملك من حطام هذه الدنيا سوى مترين سيضّمان جسدي ذات موت، لذلك كلما زرت فديو أمرّ على المترين، أبسمل وأحولق . .
***
قد يقول قارئ: ما به ينعي نفسه؟ أجل يا صديقي هي الحقيقة، ألم يقل الشاعر ذات دهر: (سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبالك يسأم)، ما زلت مبكراً على الثمانين تلزمني ثماني سنوات، لكني أقسم إنني سئمت تكاليف هذه الحياة، ولست منفرداً في سأمي، بل أستطيع أن أقول: إن كثيراً من الشباب قد سئموا تكاليف هذه الحياة.
***
سئمت تكاليف الحياة وأعرف كم من الشقاء ما نتحمله، حرب سنوات مدّمرة وحصار اقتصادي لم يسبق له مثيل، ومع كل ذلك وأقسم: إنني لم أر أو أسمع عن شعب له هذه القدرة على الصبر والتلاؤم، وإن شعباً له هذه القدرة لابد سينتصر . .

سيف الدين راعي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار