الوحدة : 24-2-2023
أحدث الزّلزال المدمّر الذي استفاق عليه السوريون فجر السادس من شباط الحالي وما تبعه من هزّات ارتدادية حالةً من الضغط النفسي والمعنوي والاجتماعي على أغلب أفراد المجتمع بمختلف أعمارهم وأجناسهم وثقافاتهم، وترتّب على هذا الضغط مشاعر سلبية متفاوتة من الرّعب والذّعر والخوف والقلق والشعور بالفقد وعدم الاستقرار وحالة من الترقّب والانتظار، وصلت حدّ معاناة بعض الناس من نوبات هلع شديدة، ووفق علم النفس فإن ردود الأفعال هذه طبيعية بعد الكوارث والظواهر الطبيعية المفاجئة، لكنّ شدّتها تتفاوت من شخص لآخر حسب استعداده النفسي لهكذا طوارئ. وللوقوف أكثر على الآثار النفسية والعضوية للزلازل وكيفية مواجهتها والتخلّص منها التقينا الدكتورة سلوى شعبان شعبان – باحثة في القضايا النفسية والتربوية، والتي سلّطت الضوء أكثر على هذا الوضع الاستثنائي وتبعاته في السطور الآتية، قائلةً:
شاءت الأقدار أن نعيش تجربة الزلازل في سورية، والتي تعدّ من أكثر الكوارث رعباً وتدميراً للمكان الذي تحدث به، عدا عن أنها شبح يلاحق الناجين منها، لأنهم أصيبوا وبدرجات متفاوتة بأعراض وآثار نفسية وعضوية جعلتهم في حيرة وارتباك من متابعة حياتهم بشكل طبيعي. تأتي هذه الآثار على شكل موجات متتالية بين الخفيفة والشديدة، وهذا ما يعدّ ردة فعل طبيعية للجسد عندما يتعرض لهول هكذا كارثة… بالصوت والهدير المرعب والاهتزاز واللاتوازن الذي أصابه جراء الدمار والسقوط والأذية وعدم معرفة ما يجري..
فكيف بنا ولم نعش كيفية التعامل مع هول هذه الكارثة من قبل، ولا نملك البرامج التوعوية للأطفال والكبار أو التدريبات والمعدات التي تساعد على التخفيف من حدّة هكذا مواقف؟
وتتابع د. سلوى: تتمثّل هذه الآثار والأعراض النفسية بدوّار بعد الزلزال ودوخة وإقياء وخوف وتعرّق وعجز وهلع وتوتر واكتئاب ومشاكل مختلفة بالرؤية، واضطرابات بالنوم، وطنين بالأذنين، والسلس البولي خاصة عند الأطفال وكبار السن.. كل هذه الآثار النفسية والعضوية السلبية بسبب إغراق الجهاز العصبي والجملة العصبية بضغوطات وإجهاد واستذكار صور الكارثة حتى أصبح المصابون فاقدي الثقة بأنفسهم والبيئة المحيطة.
لكنّ السؤال الأكثر أهمية بالتداول بيننا هو: كيف نتجاوز هذه الآثار ونحاول التخلص والتشافي منها؟ تضيف د. سلوى: الجواب يتجسّد بمن يقدمون المساعدة من متطوعين وفرق إنقاذية وأشخاص لديهم الطرق الصحيحة لتقديم العلاج النفسي والتخفيف من عبء الكارثة.. نحن بحاجة لخلق الأجواء الإيجابية المريحة المليئة بالدفء العاطفي والاحتواء الروحي وإعطاء الكثير من الماء والسوائل الدافئة والعصائر المفيدة الغنية بفيتامين سي c، وإعطاء مضاد للدوخة والدوّار، ووصف مضادات للاكتئاب من قبل أخصائيين، وإيجاد جسور للتواصل الفعّال مع المصابين بطرق مدروسة تستطيع فتح المجال للتفريغ العاطفي والتكلم عمّا يجول داخلهم لتجاوز ما مرّوا به من صدمة ما بعد الزلزال. كما أن الإجابة عن أسئلة الأطفال بسياسة تحليل الموقف وتقديم الدعم والطمأنينة والأمان وبهدوء وصدق، والابتعاد عن مشاهدة صور الدمار عبر وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي المتوفرة لأن كل طفل يتعامل مع الكوارث حسب مرحلته العاطفية والنمائية فكل مرحلة تؤدي لفهم جديد للعالم المحيط.
وتشير د. سلوى إلى أنه لاشكّ بأننا بحاجة للتكاتف الاجتماعي والتراحم الإنساني كي نصحو ونتعافى لما له من دور كبير .. وهذا ما لاحظناه ضمن المبادرات الاجتماعية والأهلية والتطوعية المقدمة من أفراد وشرائح المجتمع على اختلاف أعمارهم وثقافاتهم وجنسهم وخبراتهم ومَن معهم من أهل الاختصاص بالطب نفسياً وعضوياً.. هبّوا جميعاً من كل بقعة جغرافية للمساعدة والنجدة بما يملكون وبما تبرّعوا به من بيوتهم، مع ما قدمته الجهات الحكومية والمؤسسات المختصة من دعم ومساندة، فكانت تلك المبادرات بكافة صفاتها وتسمياتها بلسماً للجراح ويداً تضمّد النزف بالدفء والمحبة النابعة من القلوب.
وتختم د. سلوى حديثها بأنّ تجربة الزلزال كانت تجربة قاسية عشناها بعد حرب دامت أكثر من عشر سنوات علينا الآن التسلّح بالإرادة والقوة، وتحصين أنفسنا وكوادرنا بالخبرة والتدريب وأخذ المعلومة الصحيحة التي تقينا خطراً محتملاً، والانتباه الأكبر لما نحضره لاحقاً للاهتمام بالأطفال والنساء وكبار السن والمرضى والمصابين، والاستفادة الصحيحة من كوادر الدعم النفسي والمعنوي، وفرض مواد تعليمية في المدارس والمؤسسات كي لا تكون الخسائر البشرية بأعداد كبيرة لا سمح الله. والسلام والأمان لك سورية.
ريم جبيلي