إعادة الإعمار الثقــــافي ودور الثقافة في بناء الفكر

العـــــدد 9340

الثلاثـــــاء 30 نيســــان 2019

 

كلّ منا قادر على الكتابة، ولكن ليس كلّ من أمسك القلم كتب ما يهم الوطن، ويساعد في بنائه، وليس كلّ من تلفظ ببعض الكلمات التي جمعها من هنا وهناك عدّ مثقفاً، الثقافة هي مجموعة من المعلومات المتجددة والتي يجب على المثقف مواكبتها لدورها الكبير في بناء المجتمع وتطوره، وعندما يكون السؤال عن دور الثقافة في بناء الفكر تتنوع الإجابات وهنا كان للوحدة حضورها مع بعض المثقفين والشعراء فكانت الإجابات الآتية..

* أكد مدير المركز الثقافي العربي في بانياس الأستاذ خالد حيدر أن الفكر إعمال للعقل، ونتاج لعمليات بالغة التعقيد في الدماغ، ويعد اللبنة الأساسية في أي حالة تطور للإنسان، ولكي يتم ذلك لا بد من مدخلات تتمثل بالمعرفة التي تشكل الأساس في عمل الفكر، وبالتالي فإن للثقافة دوراً هاماً وحاسماً بالنسبة للفكر مع التنويه إلى أن الكثير من المعلومات التي نعتقد بأنها ثقافة ليست كذلك دوماً، فالمعلومات التي لا تحرك التفكير أو التي تعطل عمل العقل تعد ضرباً من التسجيل والاستعادة الببغاوية.
فيما قالت معاونة مدير المركز الثقافي في بانياس الكاتبة لميس بلال: الثقافة هي المادّة الأولية لإنتاج الفكر، وقد أنتج مثقّفون في وقتٍ سابق منظومة فكرية بنت عليها المجتمعات قيمها وعاداتها ومسلّماتها، وهذا ينبغي أن يكون فعلاً دائماً ومتجدداً، فإنتاج الفكر هو الغاية الأسمى للبشر، والثقافة هي خط السير، أو الدليل لحدوث هذا.
كذلك قالت الشاعرة سميا صالح: تعدّ الثقافة المعيار لمدى الرقي الفكري والأدبي والاجتماعي فهي كينونة الانصهار للعقائد والفنون والأخلاق، وللثقافة شأن أساسي في بناء فكر الإنسان بعلاقة تكاملية على أساس التأثير والتأثر فهي تزود الفكر بالمواد الأساسية التي تمكنه من صناعة الأبداع بطريقة متطورة والتوجيه نحو الإبداع والتميز.
وبدوره الشاعر منهل غانم قال: قيل في البدء كانت الكلمة وهي أي الكلمة يجب أن تُقال في الوقت المناسب من الشخص المناسب للمتلقي المناسب، فإذا اختلّ أحد عناصر هذا المثلّث اختلّ الأساس وهذه الثّلاثيّة ذات حدّين، فيمكن أن تستخدم لتضليل المجتمع ومثال ذلك ما بدأتْ عليه هذه الأزمة والتي سُمّيتْ زوراً (ثورة) حيث داعبتْ بالكلمات القريبة المألوفة نفوساً تضجّ بضيق الحياة ومستعدّة لتقبّل أيّ جديدٍ بوهمها بإمكانيّة التغيير وأنّ هناك مستقبلاً (وهميّاً) جميلاً ينتظرهم، ويمكن أن تُستخدم في توحيد الشّعب في خدمة الغاية العظمى ومثال ذلك جملة استخدمها السّيّد الرّئيس حماه الله (سورية الله حاميها) عبارة كان لها أثر كبير في تخفيف الضّغط النّفسي ورفع معنويّات الإنسان السّوري بينما فشلت تعابير أخرى من زمنٍ سابق تمّ استحضارها من قبل إعلامنا في ردم هوّة التّواصل بين الخطاب الإعلامي وألم هذا الإنسان .
تأثير الهجمة على الثقافة السورية
علّ أخطر الحروب التي تواجهها الأمم هي الحرب الثقافية لأنها تعمل على زرع أفكار ترفضها الأمة وهو ما عملت عليه الحرب الموجهة ضد سورية، فما كان تأثير هذه الحرب وكيف يمكن مواجهتها للجواب عن هذا السؤال كان لنا اللقاءات الآتية:
مدير المركز الثقافي العربي في بانياس الأستاذ خالد حيدر، أكد أن الهجمة التي تعرضت لها سورية والمنطقة عموماً وتداعياتها حتى على البشرية ستحتاج إلى وقت طويل لترميم الشرخ، فالمقدمات كانت ذات بعد ثقافي تم التمهيد له بالوهابية من خلال دعاة مترافقاً مع ضخ مالي كبير من قبل أجهزة استخبارات عربية بوصفها أدوات لتنفيذ سياسات تستهدف الفوضى كمنهج عمل للتدمير بهدف تعزيز سيادة القطب الأوحد لإمعان السيطرة على العالم وعليه علينا العمل لإعادة التأسيس لتقويض الفكر الذي أسس للتدمير الممنهج للعقل السوري متمثلاً بالوهابية وسواها من التيارات التكفيرية المدمرة، وبالتالي التأسيس للتفكير النقدي وترسيخ منهج التفكير العلمي في ثقافتنا ومناهجنا.
وتقول الشاعرة سميا صالح: لا تغيب تجليات الأزمة السورية عن الشارع الثقافي في ظل عصر الفضاءات المفتوحة، فقد كانت لها تأثيرات سلبية، وهذه نتيجة طبيعية لأزمة يعيشها المثقف، فبدت الثقافة بشكلها المتكلس الجامد والمتحول وفق متطلبات الأزمة وحاجاتها من خلال شرعنة ما يسمح به الوضع الراهن وتجاوزها ليس بالأمر السهل، ولتفادي هذه الدوامة يجب الفصل بين الدين والتاريخ، بين الثقافة والسياسة، بين المقدس والمدنس وقبول النقد بأشكاله.
فيما قالت معاونة مدير المركز الثقافي في بانياس الكاتبة لميس بلال: من أبشع صور الحرب التي دارت في بلادنا كانت الحرب على الثقافة، وقد تجلّى ذلك بوضوح من خلال تحطيم وتشويه الآثار والتراث المادي كما جرى في عدة أماكن أثرية وعُرض بشكل صريح في الإعلام، ومحاولات المعتدين استبدال التراث والحضارات بمنظومة قيمة محدودة وضيقة وقائمة على الإلغاء ورفض الآخر وتصفية العلماء والنخب الثقافية والفكرية والمبدعين ممن كانوا مؤهلين لتكوين الواقع الثقافي والفكري للأجيال الحالية والقادمة.
الرّد على هذه الهجمة يكون طبعاً بحماية الموروث المادي ودعم المبادرات الفردية والأهلية لإنشاء متاحف وبيوت أثرية تجمع تراث منطقة ما أو نتاجات مبدع ما، والأهم من كلّ شيء مادّي هو الإنسان المبدع، ينبغي تحرير طاقته وتأمين بيئة مناسبة لإبداعه من كل النواحي.
دور المراكز الثقافية
المراكز الثقافية هي الحاضن الأول للمثقفين والشباب ومن خلالها نستطيع إيصال الكثير من الأفكار والمعلومات لجيل الشباب وذلك من خلال الندوات والمحاضرات النوعية والمركزة ولكن في ظل الأزمة التي نعيشها ما دور تلك المراكز؟
يرى مدير المركز الثقافي العربي في بانياس أن المراكز الثقافية وعموم المؤسسات الثقافية في مجتمعنا وجميع المجتمعات لها دور هام جداً من خلال الأنشطة التي تقدمها في مختلف فروع الثقافة، وعليه فإن دعم هذه المراكز والمؤسسات من خلال تطوير الإطار التشريعي والإداري التي يحكم عملها، فالموسيقا والمسرح والفنون التشكيلية والمحاضرات والندوات التي تؤسس لفعل ثقافي حقيقي تنقل المجتمع إلى الحوار والانفتاح والتفاعل الثقافي.
وتقول معاونة مدير المركز الثقافي في بانياس الكاتبة لميس بلال: المركز الثقافي يجب أن يكون بيتاً للمثقفين وسقفاً يجتمعون في ظلّه ويلتقون ويعرضون نتاجاتهم في مختلف مجالات الفكر على جمهور متابع يضمّ جميع المستويات العمرية والاجتماعية، ولهذا، المركز الثقافي بناء هام يجب أن يدار من قبل كادر واع لأهمية الدور الذي يضطلع به، لاسيما في المرحلة الراهنة.
وبدورها الشاعرة سميا صالح قالت: للمراكز الثقافية الدور الأهم بنشر الوعي للمحيط من خلال الاهتمام بالمحاضرين، عدم تكرار نفس الأسماء، التنوع بالأنشطة و الأنشطة البديلة، والتركيز على محاضرات جدية تتناول قضايا الناس كالطفل والمرأة والشباب، أيضاً العمل على فتح باب الحوار بين المتلقي والمحاور وتقبل كلاهما للآخر إضافة لاستضافة العروض الفنية المسرحية الموسيقية الهادفة والتركيز على أدب الشباب وجذبهم.
استقطاب المثقفين الحقيقيين وزجّهم في إعادة الإعمار
قد تكون ثقافة شخص ما نوراً يهدي فئة من المجتمع إلى طريق الوعي والثقافة، فلشخصية المثقف وقدرته على جذب أكبر شريحة من المجتمع ولعب دور توعوي كبيراً في إعادة الإعمار الثقافي، ويرى مدير المركز الثقافي العربي في بانياس الأستاذ خالد حيدر أن المثقف الحقيقي يتم استقطابه بمساحات أوسع من الحرية في التعبير، كما أن المثقف الحقيقي لا يمكن أن يرى الكمال فهو يدرك دوماً أن ما يحياه غير كاف وغير مقبول ويسعى دوماً إلى التفكيك وإعادة التركيب والأمر الهام أيضاً لاستقطابه هو الحافز المادي المجزي الذي يحقق للمثقف حداً أدنى من المتطلبات الأساسية.
أما رأي معاونة مدير المركز الثقافي في بانياس الكاتبة لميس بلال: للثقافة جمهور يبحث عنها، لكنّ ضغوط الحياة جعلت الكثير منهم يستغني عن النشاطات والمشاركات، قد تنتعش الثقافة بعد أن تتحسن الظروف المادية وينتعش المجتمع من جهة، هذا إذا التزمت المراكز الثقافية بتقديم المنتج الثقافي الجيد، وهنا دور إدارة المركز الثقافي أن تتواصل مع المثقف الحقيقي وتقدّمه كما يليق به، وتشجع الهواة وتقدم النقد البنّاء لمن لا يقدّم فكراً جيّداً، وهنا ينبغي تشكيل لجان ووضع أسس لقبول ورفض المشاركات مع تعليل ذلك من قبل نقّاد معروفين.
ويقول الشاعر منهل غانم يتطّلب من مثقفي هذا البلد وبخاصّة أولئك القائمين على المنبر الإعلامي والمؤسسات الثقافيّة الاقتراب من لغة المواطن واستخدام العبارات اللّصيقة بوجدان الإنسان السّوري، وإيضاح ما وراء العبارات المعسولة التي استخدمها أعداء هذا الإنسان، فالفكر نخبوي بطبيعته وعلى بعض من ادعى الثقافة وحمل القلم أن ينزل عن جواد وهمه إلى طين الحقيقة ليرى الأمهات الثكالى وطلاب الجامعات في انتظار باص يقلهم في زحمة انتظارهم، ليرى زهر ربيعنا وليس التوليب، ليكتب بخشب الزيتون لا الصندل، ليحمل همّ مقاتل وثماني سنين من عمره في جبهات قتال شاب الزمن منها وخرج لمستقبل مجهول، نحتاج لمن يضع الكلمة على ميزان الحقيقة، هنا فقط ينتقل الشاعر من شاعر يكتب لمجرد الكتابة إلى شاعر بحجم وطن، فنحن نكتب لننتمي وهذا عامل مشترك بين كل من يكتب رديئة وجيدة، المهم لمن الرغبة في الانتماء، فهناك مثقفون يكتبون كنوع من الرقصة البدائية، وأخريات يكتبن لتعويض عن مبالغ جمالية ومالية ناقصة، لنطلق الروح بجناح القلم من التمركز والمراكز والمنتديات، فإذا كنت تحاول إعادة إنتاج الفراغ حولك فلا بأس إذا نبتت الأرانب مرة على شجرة التفاح، أو بكت الجميلة على عش قبرة مات فراخها، المجاز الشعري (كحولة الحسن جميل، والتكلف كالبرص لا يمكن أن يكون جميلاً).
وبدورها الشاعرة سميا صالح قالت: هناك المثقف العادي المنتج للثقافة في حدودها الدنيا وهناك المنتجون لها في أعلى درجة من درجات الإنتاج الإبداعي مثل كبار المثقفين الذين يؤثرون في الحركة الثقافية إنتاجاً وصيرورة وإبداعاً في مجال الشعر والأدب والموسيقى وغيرها ولابد من التنسيق معهم وإقناعهم بالعودة إلى ممارسة حياتهم الأدبية والأخذ برأيهم لإعادة الإعمار الثقافي في سورية.
دور الثقافة في ترميم ما تصدع من قيم وقناعات
إن إعادة بث القيم والعادات التي تتبناها الأمة بالوسائل التي يفضلها جيل الشباب لقتل ما علق في أذهانهم من معتقدات خاطئة ومحوها من ذاكرتهم له دور كبير في ترميم ما تركته هذه الأزمة وتقول معاونة مدير المركز الثقافي في بانياس الكاتبة لميس بلال: الأزمة بالأصل أزمة ثقافة، وترى الشاعرة سميا صالح الثقافة الحقيقة والقيم الأصيلة في حالة تلازم دائم ولا يكون ذلك دون وسيط متمثلاً بالمثقف، فالمثقف هو أداة الثقافة من خلال فكره وإبداعه وهذا يتطلب منه جهداً في إقامة علاقات اجتماعية ناجحة حتى يظهر تأثيره وتكون له القدرة على تصحيح الخطأ الذي دخل على القيم والتقاليد والقناعات وأنواع السلوك التي تغيرت نتيجة ما طرأ على المجتمع من تشوهات دخيلة نتيجة الأزمة.
العناوين الواضحة لمرحلة إعادة الإعمار
لضمان نجاح أي خطة يجب التركيز على العناوين الرئيسية وجعلها نقطة البداية، وعن العناوين الرئيسية الواجب الإضاءة عليها في مرحلة إعادة الإعمار قال مدير المركز الثقافي العربي في بانياس الأستاذ خالد حيدر: إعادة الإعمار هي المشروع المستقبلي للمجتمع السوري وهو المشروع المتكامل والحركي للغد ومن أبرز عناوين هذا المشروع ثقافياً ومعرفياً – بوصف ذلك مساراً أساسياً للمشروع – ابتداءً بالمراجعات العميقة لمجمل جوانب العملية التربوية والتعليمية وعمل مجمل المؤسسات الثقافية فإعادة الإعمار تبدأ بالتأسيس لعقل وتفكير منفتح يقبل الآخر على ما هو عليه، كذلك تفعيل آليات العقل النقدي والإعلام الاستقصائي والحرص على مساحات من الحرية ثوابتها الوطن ومصلحة الوطن والوفاء لدماء الشهداء وتضحيات بواسل الجيش العربي السوري.
فيما ترى معاونة مدير المركز الثقافي في بانياس الكاتبة لميس بلال أن هناك عناوين كثيرة في الاقتصاد والسياسة كما في الثقافة، الانفتاح على الآخر مع الاحتفاظ بالخصوصية السوريّة بما يخدم الإنسان السوري أوّلاً والإنسان بشكلٍ عام، إذا كان التوجه إنسانياً بوضوح، ويقوده أهل الثقافة الحرّة أولاّ والحرة ثانياً وثالثاً وللمرّة المليون، الحرّة فقط، عندها لن يضلّ المجتمع مرّة أخرى.
وبدورها الشاعرة سميا صالح قالت: تحرير الثقافة من قيود الفكر والرأي الواحد والجمود واعتماد مشروع ثقافي يحترم التعددية الثقافية والنظرة السليمة للثقافة باعتبارها وسيلة لارتقاء الإنسان، أيضاً الدعم الكامل للعملية الثقافية وحماية الموروث الثقافي من مخطوطات ومطبوعات، وتشجيع الفكر المبدع المتطور، إضافة لتفعيل دور المثقفين والمبدعين والنخب الثقافية، والأهم من كل هذا الاهتمام بالشباب الأدباء والمبدع منهم وتفعيل دورهم في هذه المرحلة.

رنا ياسين غانم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار