الوحدة 29-12-2022
حاول متابعة الجري وأخذ صدره يضيق بأنفاسه كما تضيق علبة السردين بأسماكها، أَحَسَّ أن جبلاً يربض فوق أضلاعه لكنه تابع رَمْيَ أقدامه أمام جسده المنهك، شيء ما أو أشياء كثيرة تتشبث به، تتعلق بكتفيه، تثبت يديه، تعرقل قدميه، تجعل من خطواته محاولاتٍ متهالكة للسير نحو الأمام، لهاثه يزداد ويتثاقل، نبضه يتسارع حتى ليكاد قلبه يخرج من بين أورابه، الجفاف والعطش يجتاحان ثنايا جسده، ويسدان مسامات جلده، ويمنعان حتى قطيرات العرق من الخروج، بدأت عضلات فخذيه بالارتجاف وتشنجت عضلات ساقيه، لم يعد يقوى على المتابعة، نظًر إلى الأمام، ورأى خط النهاية يكلله الشريط الأحمر وقد أضحى على بعد أمتارٍ منه، ماذا يفعل؟ كيف يتابع؟ أحس بالدوار ،وخرَّ جاثياً على ركبتيه. خط النهاية صار قريباً ويتوجب عليه كرجل “الماراتون” أن يتجاوز الخط والشريط، استلقى ببطنه المقعر عل الأرض وأنشب أصابعه المرتجفة بالتراب والحصى وأخذ يجرُّ جسده نحو الأمام، بدأ دمه اللزج يسيل من معصميه وأكواعه نتيجة الاحتكاك بالأرض الوعرة الباردة. الخط صار أقرب وقواه أضحت إلى زوال، تحامل على روحه، واستمر بجرِّ جسده إلى أن وضع يده المدماة على خط النهاية الأحمر. أخيراً وصل وأنهى “الماراتون”، أحس بأنه سيتقيأ أحشاءه ،وتناهى إلى سمعه أصوات تصفيق لجنة التحكيم، وتهليلهم. بينما هرع إليه رجلان رفعاه عن الأرض وأجلساه على كرسي خشبي، وأخذت صبية حسناء تمسح وجهه ويديه بمناديل رطبة معطرة. احتضنه رئيس لجنة التحكيم بذراعيه السمينتين حتى كاد أن يكسر أضلاعه، وانهال عليه تقبيلاً وتربيتاً، وأخذ يبارك وصوله بصوت جهوري متهدج من كثرة الإعجاب والزهو: مبارك يابطل مبارك يا صنديد، والله أنت مدرسة في الصبر، يجب على العالم كله أن يتعلم فيها، أقصد منها، أحسنت يامغوار، رائع ياسبع، مبارك لك ولنا إنهاؤك “الماراتون” ووصولك إلى خط النهاية. حدّق رجل “الماراتون” إلى الحكم بنظرةٍ لاتخلو من الاستعطاف : أنا عطشان عطش الصحراء ،جائعٌ جوع الموت. بادره الحكم: خسى العطش، فشر الجوع ،هاتوا ماءً للوحش طبيعي أن يشعر بالعطش. أما بالنسبة للجوع فها هو كيس البرغل مسامير الركب قد صار بأمرك لا يغلى على بطلنا ذهب الأرض كله. جاءت الحسناء بكأسٍ من الماء الممزوج برحيق الورد، تناول الحكم الكأس وابتلع نصف ما فيها برشفةٍ واحدة وقدَّم الباقي إلى رجل “الماراتون” قائلاً: طبعاً تعرف يابطل الأبطال بعد التعب لايجوز شرب كمية كبيرة من الماء حفاظاً على طاقتك وقواك، هاتوا لبطلنا اللصاقة الذهبية، جاءت الحسناء بلصاقةٍ ورقيةٍ صفراء كتب عليها”٢٠٢٣”، قام الحكم بنزع اللصاقة القديمة عن ظهر رجل “الماراتون” والتي كانت برقم “٢٠٢٢”وألصق الجديدة بدلاً عنها وربت على ظهره قائلاً: هيا يابطل اليوم آخر أيام هذه السنة وأنْجَزْت فيها ما لم ينجزه الاسكندر المقدوني في زمانه .خذ قسطاً من الراحة اليوم وغداً وتمتع بكيس مسامير الركب لتنطلق بعد الغد في سباق “ماراتون” ال ٢٠٢٣، أنا وأعضاء اللجنة سنسبقك بسياراتنا إلى خط النهاية القادم، نحن كالعادة بانتظار إنجازك، بالتوفيق يابطل، بالتوفيق يا فينيق.
نتمنى للجميع عاماً ملؤه السعادة على الرغم من صعوبة “الماراتون” القادم.
شروق ديب ضاهر