وصية أمّ

الوحدة 7-9-2022

عندما نسعى وراء رغباتنا ونحاول تحقيقها، نقوم في الوقت نفسه لا شعورياً بخلط الأوراق: الأمر الذي يحول دون نجاح العلاقة واستمرارها بين شخصين يسيران في طريق الحب. ما الأسباب التي تفصل بين خطيبين أو زوجين أو أي شخصين أرادا أن يحولا أحلامهما إلى واقع ؟

فالأسباب تختبئ وراء لعبة مفبركة منذ الطفولة أي أن رواسب الطفولة ومخلفاتها تلاحقنا في الكبر وتؤثر في أوجه سلوكنا عندما ندخل ميدان الحب ومتطلباته. البنت سر أمها وامتدادها وفي شخصية كل امرأة جوانب منقولة على نحو شبه حرفي من والدتها، ولذا يقال في المثل : ( طب الجرة على فمها تطلع البنت لأمها ) ومع الإنترنت لم ( تعد البنت سر أمها )، فبنت اليوم تتعلم من الإنترنت أكثر بكثير مما تتعلم من أمها كما أنها تجد عبر الشبكة ما يكفي من مساحات البوح بالأسرار والدردشة.

وبينما تبلغ نسبة الأمهات اللاتي يعرفن مداخل الإنترنت ومخارجه حيزاً ضئيلاً ، فإن بناتهن يعرفن الشبكة المعلوماتية جيداً ما يجعل رقابة الأم على ابنتها محدودة ومقيدة في هذا الزمن، وفي ظل المتغيرات الهائلة التي يشهدها زماننا هناك تهديد حقيقي بحدوث انفصام عام في علاقة الأم وابنتها المراهقة، وما لم تسارع الأم إلى بذل حهد خاص واستثنائي لاحتواء ابنتها وبناء علاقة ذكية معها، فإن الفجوة بين الأمهات والبنات ستبلغ حداً خطيراً. إن الزمن الذي نعيشه اليوم قد مهد الطريق لأن تستغني البنت عن أمها بالكامل، فالإعلام المفتوح أصبح اليوم كالهواء الذي يستنشقه الجميع، زد على ذلك تقنيات الموبايل والشبكة اللاسلكية ، أي أن معرفة البنت بأسرار الحياة أصبحت تصلها وفي مراحل مبكرة من حياتها وعلى نحو لم يكن موجوداً في أي حقبة زمنية، وبإمكان بنت العاشرة اليوم أن تتحاور مع زميلاتها في المدرسة عن أمور ما كان لها أن تعلم بها قبل سن الرابعة عشرة في الماضي ومعنى ذلك أن الفتاة عندما تبلغ السابعة عشرة فإنها تكون قد استوعبت الكثير من الدروس التي كانت الأمهات يحتفظن لأنفسهن بتوقيت إيصالها للبنات. والمشكلة اليوم لا تتوقف على جهل الأمهات بالتكنولوجيا وبراعة البنات بها ، بل بشيء أكبر من ذلك. فمع انفتاح قنوات الاتصال والإعلام أصبحت أبواب البيوت مشرعة لغزو القيم الغربية التي قد تنافي العادات والتقاليد المجتمعية المحلية ، وعند هذه النقطة قد يحدث احتكاك بين الأم والبنت، وقد يتنامى هذا الاحتكاك ويتطور على نحو يعقد الأمور ، وإذا ما لجأت الأم إلى منع ابنتها من التواصل عبر الإنترنت مثلاً.

فإن الأخيرة ستشعر بالظلم لأن صديقاتها ينعمن به ، وهي لا تفعل ولعل البديل المنطقي والحل المعقول لكل تلك المعضلات العصرية يتمثل في بناء صداقة حقيقية بين الأم وابنتها منذ سنوات الوعي الأولى للطفلة ويقع في صلب العلاقة المطلوبة أمر الحوار السليم، فدربن بناتكن على التواصل والحوار والتعبير عن الذات والصدق والصراحة والشفافية.

لمي معروف

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار