الوحدة 27-8-2022
عن الزمن ودلالاته في ترتيب الأحداث والمواقف في القصص الموجهة للأطفال، تطالعنا دراسة على غاية من الأهمية تضمنت في ثناياها الدور الهام للزمن و استخداماته في تقريب المفهوم العام لتسلسل الأحداث ومنطقيتها بالنسبة للطفل.. وهي دراسة قدمها جاسم محمد صالح، وهو باحث معرفي في أدب وثقافة الطفل.. ومما جاء فيها : ” أن تجدد اللحظة وارتباطها بتكرار الحدث يدلّ على الزمن ويقرب مفهومه من ذهنية الطفل , حيث يرتبط الزمن بالحدث القصصي مكوناً مفهوماً لديه , وهذا المفهوم هو الذي يجعله يحسّ أن هناك حركة مستمرة تدلّ على حركة الوقت..”
وتوجه الباحث لمن يكتبون للأطفال بضرورة برمجة الزمن بشكله الصحيح في نتاجهم الأدبي بما يخدم الفكرة العامة وسياق الأحداث بطريقة يضمنون من خلالها تمثل أفكارهم ومقولاتهم المراد إيصالها للقارئ الطفل، حيث قال :” على الكاتب الذي يُريد أن يكتب للأطفال وبعد أن تختمر في ذهنه الفكرة والطريقة عليه أن يفكّر في تحديد الزمن كمدخل لعرض الأحداث , فهناك الماضي والحاضر والمستقبل , فحينما نستعمل الأفعال الماضية فإننا سنضطر إلى عرض حدث مرَّ وانتهى ونحن نعيده لعالم الطفولة بجماليته وفكرته وعمقه , والأفعال في القصة كلها تبين بانّ الحدث مضى وانتهى وما الطفل إلا قارىء لحدث مرَّ من دون أن يملك قدرة على تغيير مجرى الأحداث “.
وأورد الباحث اعتماد كاتب الأطفال على استخدام الزمن الماضي أكثر من الأزمنة الأخرى وذلك لقدرته على التعبير عن الأحداث الماضيةواستمراريتها، قائلاً :” وأحياناً يجعل الكاتب الفعل الماضي للدلالة على استمرارية الحدث في الحاضر حيث يستمر في سرد الحدث القصصي في أنها مستمرة الحدوث وفي هذه الحالة تتألق ذهنية الطفل وتحلّق مخيلته ليطرح تصورات لما سيحدث من خلال الرؤية القصصية, أما الزمن المضارع فإنه قليل الاستعمال في الزمن القصصي لكون القاص يلجا إليه في طريقتين :
الأولى : حينما يستعمل الماضي ليقدم الحاضر حيث تنتهي الأحداث فيه.
الثانية : حينما ينطلق من الحاضر كواقع زمني لحدث القصة ويجعله غير منته تاركاً الخيار الذهني للطفل لمتابعة حدث القصة لمعرفة الأحداث من خلال ترك النهايات مفتوحة .
ورأى الباحث أن الزمن يلعب دوراً مهماً في تسلسل البناء الحدثي للقصة ومؤشراته واضحة تماماً في حوار الأشخاص وتسلسل الأحداث التي لا يمكن فهمها إلا من خلال معرفة الطفل للزمن والذي لولا هذه المعرفة لكان النصّ حدثا هلامياً لا وجود له لافتقاره إلى الوعاء الزمني الذي يعمّق معناه .
وختم الباحث بأن الزمن في أدب الأطفال يفرض نفسه على الكاتب , مهما كانت القصة ناجحة ومهما كان الكاتب متميزا ومتمكناً من حرفية الكتابة للأطفال فإن الزمن القصصي هو الذي يؤطّر ذلك المعنى ويوضح تمكن الكاتب من صنعته الفنية , ومع هذا فإن الزمن يحتاج من الكاتب إلى أن يعرضه بمنطقية وتسلسلية مقبولة ومقنعة للطفل , حيث لا يوجد في النص أيّ اضطراب أو تداخل , لأن الطفل لا يميل إلى الغموض في معرفة الزمن في النصّ ولا إلى اضطرابه ولا إلى تقديم المستقبل على الحاضر أو الماضي ومن ثم استعمال الماضي للتذكير والتعريف , فالتسلسل ألزماني مطلوب وهو الذي يخلق الحوافز والمشوّقات لدى الطفل لمتابعة النصّ وأحداثه.
فدوى مقوص