الوحدة 30-7-2022
في الثلاثين من شهر تموز من كل عام، تتنادى المؤسسات و الأوساط الثقافية و العلمية الإيرانية للاحتفاء بالفيلسوف الإيراني الشهير شيخ الإشراق شهاب الدين السهروردي الذي يُعدُّ من أبرز شخصيات الفلسفة الإسلامية في عصره، و برز كأحد أهم أعلام الفقه و الدين والمنطق والحكمة و العرفان ، و لمع اسمه بكونه مؤسس المذهب الفلسفي الإشراقي الذي أطلق عليه مُسمَّى “حكمة الإشراق” ، و ترك للأجيال اللاحقة آثاراً فلسفية خالدةً تشمل العديد من المؤلفات في هذا المضمار ، و تحتوي على أسس فكره وفلسفته.
السهروردي هو يحيى بن حبش، ولد في مدينة سُهرَوَرد من مدن زنجان (شمال غرب إيران) سنة ٥٤٩هـ ، وتلقى مبادئ العلوم في مراغة (التابعة لمحافظة آذربيجان)، ثم انتقل إلى أصفهان مركز الحركة العلمية في إيران آنذاك ، وحين اكتمل نضجه العلمي طاف في مختلف المدن الإيرانية ليلتقي كبار العلماء والفلاسفة في عصره ، و انتقل إلى بغداد، ثم سافر إلى تركيا وبلاد الأناضول، ثم استقر به المقام أخيراً في حلب، وبقي فيها حتى حُكمَ عليه بالإعدام سنة ٥٨٧هـ / ١١٩١م.
و يُعتبرُ السهروردي من أبرز رموز التواصل العربي – الإيراني، و حظي باهتمام كبير من الباحثين و المفكرين في الشرق و الغرب، ومن هؤلاء المهتمين الغربيين (بروكلمان) الذي تقصّى النسخ الموجودة من مؤلفات السهروردي في المكتبات العالمية، ثم (ريتر) الذي قضى سنوات طويلة في مكتبات اسطنبول يبحث في فلسفة السهروردي، و (ماسينيون) الذي تناول حياة السهروردي العلمية، وحاول أن يحيط بالتطور الفكري في منظومة هذا العالِم و الفيلسوف الكبير، ويأتي (هنري كوربان) على رأس المستشرقين الذين اهتموا بالسهروردي فقد قضى عمره كلّه في دراسة فلسفة الإشراق وشيخها السهروردي.
و كان لشيخ الإشراق دور بارز في التأكيد على وحدة الحضارة الإسلامية، فقد كان إيرانياً، ولغته الأصلية فارسية، لكنّ فكره ينتمي إلى الحضارة الإسلامية كلها ، لا إلى بلد بعينه ؛ولا إلى لغة بحد ذاتها، وهكذا كان الفارابي وابن سينا والغزالي وابن المقفع و غيرهم الكثير من عظماء الحضارة الإسلامية ، الذين لايمكن حصر فكرهم في إطار قومي أو إقليمي، بل هم أبناء منظومة فكرية تفاعل فيها العلماء من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، واختاروا اللغة العربية باعتبارها لغة العلم، رغم أن بعضهم كتب بالفارسية أو بالتركية أو بغيرهما من لغات عالمنا الإسلامي، وقد كانت مدن إيران ومدن العراق ومدن الشام كلها حواضر بلاد واحدة متواصلة مترابطة ثقافياً وعلمياً، ولم يشكِّل بُعد المسافة بينها عائقاً لهذا التواصل، رغم مشقة الأسفار وأخطار الطرق وبدائية وسائط النقل.
ويقدِّم لنا السهروردي النموذج البارز لمفكر الحضارة الإسلامية الذي لم يتحدد بإطار محدد بل تجاوز كل هذه الأطر وانطلق إلى رحابٍ إنسانيةٍ واسعة ، فكان من خصائص فكر السهروردي انفتاحه على الفكر الغربي، حتى عُدَّت مدرسته أعظم منظومة فكرية جمعت الشرق والغرب فكرياً وحضارياً.
ترك السهروردي أكثر من خمسين كتاباً ورسالة باللغتين العربية والفارسية أشهرها كتاب” حكمة الإشراق “الذي يضم أسس فكره وفلسفته، و من أبرز آثاره أيضاً : المشارع والمطارحات – هياكل النور – الأربعون اسماً – الأسماء الإدريسية – كتاب البصر …. و غيرها من المؤلفات الخالدة ، وتتلخص مدرسته الفلسفية التي سُمِّيَت بالمدرسة الإشراقية بأن الإنسان لا يستطيع أن يصل إلى الحقائق والمعارف بالبحث النظري وحده، بل لابُدّ أن يصاحب البحثَ النظري تأملٌ روحي ليصلَ إلى حقائق العلم وتنفجر في قلبه أنوار المعرفة، وبعبارة أخرى ؛ إن طريق العلم بحاجة إلى حركة في الفكر وحركة في النفس كي يصل بها الإنسان إلى حقائق الأشياء ، هذه بشكل عام ” فلسفة الإشراق “التي نادى بها السهروردي ودافع عنها، وأصرّ على خواء كل عمل فكري لا تصحبه حركة تكاملية في النفس، يكون معها الإنسان (عاشقاً)، ولذلك اصطدم بكثير من سماسرة العلم وأدعياء المعرفة في زمانه مما جعلهم يكيدون له المكائد و يتهمونه بتهمٍ لا تمتُّ إلى الحقيقة بصلة .
و يرى العديد من المفكرين أن فلسفة السهروردي ما هي إلا مصالحة بين الإنسان ونفسه، فالإنسان عاقل ولكنه عاشق أيضاً، العشق يدفعه في طريق أهدافه الكبيرة ، والعقل ينير له الطريق، وبذلك يتصالح الإنسان مع نفسه.
علي رضا فدوي
الملحق الثقافي لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في اللاذقية