الوحدة 16-7-2022
مجموعة شعرية صدرت مؤخراً للشاعرة أديبة حسيكة،كان لنا اللقاء الآتي معها:
– ما هو الشعر؟
* الشعر بما يطرحه، وهو منذ بدء التكوين حالاتٌ متعددة تترافق جميعها وذات الشاعر، ولأن الكلمات بحدّ ذاتها منثورة فيما حولنا في الشارع، في الريح، في الليل والنهار، في الحقل والمعمل والمدرسة، وفي كلّ مناحي الحياة. وهي أهمّ ما تكون عندما تكون متجذّرةً في الأعصاب حيث يكون دور الشاعر هنا خلق علاقةٍ جامعةٍ بين الكلمات التي هي الشكل وبين الإبداع أي القصيدة.
وهذه العلاقة تلعب دور الحاضنة ضمن علاقة تقول: لكل سبب نتيجة، ولا يقوم الواحد بدون الآخر وبخاصة عند البدء في خلق القصيدة. والشعر بلغته وموسيقاه ليس أرقاماً حسابية ضمن نظرية ما أو منطق عقلي. ولكونه شعراً فإن أهمّ ما يميزه الإحساس المتجاوز لبلادة الحواس.
– الشعر مجموعة أحاسيس، والحزن قمتها ولا شعر بدون وجع بحسب قول الشاعر البلغاري “لوكوموتيف”. وهذا ما تضمنّته مجموعة ” ورد أضاء دمي” للشاعرة أديبة حسيكة. تقع المجموعة في مائة وأربع وعشرين صفحة من القطع المتوسط وجميع قصائدها جاءت على الشعر الحر “النثر”.
ضمت المجموعة أربعين قصيدة وخاتمة وهي مهداة للورد الذي ضم حنين العطر وللفرح الذي مددنا يدنا إليه فأزهر على سياج القلب.
وقد قدم للمجموعة الباحث والناقد حيدر نعيسة، وسأقوم بقراءة أدبية لبعض قصائد المجموعة في قصيدة البدء. وهي بعنوان : كقمر وأغنيات،
تنقلنا الشاعرة في بحثها عن قمر وأغانٍ تتهادى على إيقاع المطر وتدرك أنه لم يبق هناك إلا ظلال السهر مما تقطفه العيون، وتسأل معاتبة: ” لماذا أغمض الصبح بريقه”؟، ولأنها محتاجة لما يبلل طريق عرجونها قالت : “عابرين صعدنا إلى غيوم المطر كصيفٍ يعاتب نهود الموج”.
في قصيدتها المتعبة تظهر لنا إبداعها اللامحدود فتقول: ” هذا العتب المخملي يتشهى ثغر الكأس وأنا يغريني نعاس الخمر في قبلتك”.
ثم تتساءل: عن سحر وسر كلمة لماذا؟ وماذا تحققه كل هاتيك الرؤى فتقول: لماذا أسكب سفاحاً من شفاه العناقيد رمادك؟” هي تنشد بعض الراحة فحالها حال صالح في ثمود فتقول:” مدي على ميل غيمتي اللمسة العطر أطلقي عصفور قلبي أسيراً وحراً” ،ولأنها تخشى حباً مجهولاً مخافة أن تذرف لآلئه ظل يخفق قلب الحمام بصدرها فتقول: ” لأغمض سري على همس هواه. لأكتب شعري بريشة آه.
وإني لأراها ضائعة في بعض قصائدها حتى أنها لا تدري ما الذي يحيط بها.
تقول: “لست أدري أي عمرٍ أقتني كي أجمع ما تبقى من نرجسات دمعي المنثور في ندى قبلتك”، وأراها في عتمة ضياعها تتعجب من هجرة دمها إلى وجنتيه فتقول: ما بال دمي يهاجر إلى وجنتيك؟
ولعل قصيدة: ” ما فاض عطرك” من أجمل قصائد المجموعة، فلقد ظهر كل ما اعتمل في قلبها وأبدعت في عرض حداثتها وأحداثها، فها هي تخاطبه بقولها: ” يا وردة القلب الجريح ما فاض عطرك إلا من دمي”
ثم تتابع : ” ازرعيني خمرة الشك على الضفف الذي يرتع من عشب عيني خلسة واقطفيني دمعة.فأنا الضحية في الهوى والورد وردي والجراح جراحي”،
لأعود فأراها تهدهد قلب غدها القادم من خلق العتم ولتوغل في الفضاء بعيداً ولم تهتم لمشيب راح يبرق في أيامها فهي تستغني بالشعر عن كل ما مرّ بها وأرادت لحلمها أن يبقى متوهجاً.
تقول: ” أوغل في الفضاء بعيداً حلقت وشاب ذاك الزغب بالأماني المستحيلة والأغاني وبقيت وحدي أرتجل هموم الشعر أطيافاً تهفو على توهج الحلم”.
ثم تعود فتخاطب ليلها: ” يا ليل خذ ضوء عيوني في نزهة أعد ترتيب النهار ودعني أشرق من خمارك نظرة من صباحي”.
وفي قصيدة “كنت اثنتين” ذكرتني بالحلاج ذاك المتصوف المتحد بالذات الإلهية تقول: ” كنا في النور اثنتين لا مكان بيننا للعتم”.
سأكتفي بما قدمته لبعض قصائدها، والمجموعة تحتاج إلى صحائف للكتابة عنها. فكلما وقفت عند قصيدة شدتك الأخرى لقراءة أحداثها ولمعرفة إلى أين تريد أن تمضي بك الشاعرة في رحلتها مع مجموعتها.
“ورد أضاء دمي” مجموعة بما حوته، تستحثك إلى المضي في نهم الحروف ومتابعتها جملة جملة. فالشاعرة أجادت لغتها و أبدعت في ترصيعها الأدبي وفي محاسنها البديعية وكلما وقفت عند صورة تتأملها شدتك الأخرى إليها.
أتمنى للشاعرة المزيد من التألق والنجاح وأعدها بمتابعة قراءاتي الأدبية لبقية نصوص المجموعة.
سيف الدين راعي