من الملل إلى التسكع ..

الوحدة : 9-6-2022

 

 وأوقاتهم في ضياع قال رسول الله ( ص ) :عليك بالعلم فإن العلم خليل المؤمن ، والعقل دليله ، والعمل قيمه، والرفق أبوه ، واللين أخوه والصبر جنوده … وقال أحمد شوقي : إن الوقت آلة الرزق إذا استعمل ،وآفة الرزق إذا أهمل.. لعل الوقت هو آلة أو آفة العمر والحياة بأكملها. فإما أن يستغل في السعي والعلم بالعقل والصبر والعمل، وإما أن يهدر بلا فائدة على أرصفة التسكع . ظاهرة لا تخلو منها مجتمعاتنا اسمها التسكع ، حيث تتسكع شريحة لا بأس بها من شبابنا على أرصفة الشوارع يطاردون بعيونهم وألسنتهم الحسناوات العابرات أو على أرصفة ( التشات ) الالكترونية يصطادون مغامرات شائقة ، ويربطون علاقات يعد الكذب والتزييف أكثر مقوماتها، يهدرون الوقت وذريعتهم الملل غير واعين أنهم يهربون من ملل مؤقت إلى ملل دائم، حيث يكتشفون أن الملل لم يفارقهم ولن يفارقهم ما داموا لا يزالون في نقطة الصفر من نموهم ولم يحققوا أي إنجاز يذكر ليرتقي بهم خطوة أخرى إلى الأمام فيزدادون قلقاً وضياعاً وبالتالي مللاً وفراغاً. وليس امتلاء الوقت بالشيء العسير فقد يملأ بأي شيء مفيد مهما كان صغيراً، وقد توجد التسلية في أكثر الأشياء نفعاً كالفن أو الرياضة أو كالمعرفة والاكتشاف لعل من أدلتها ما اعترف به ( اسحق نيوتن )، وهو على فراش الموت إذ قال : لست أدري ماذا أبدو في نظر العالم ، ولكنني في نظر نفسي أبدو أنني مجرد طفل صغير يلعب على شاطئ البحر أسلي نفسي بالعثور على حصاة أكثر نعومة أو صدفة أكثر جمالاً، بينما محيط الحقيقة الهائل يربض أمامي لم أكتشفه بعد. ولكن كم من شبابنا يربطون المتعة بالمنفعة أو يسعون إلى الحقيقة من باب التسلية، وكم منهم يلجون من نفس الباب سعياً وراء العدم واللامعنى ؟ هدر الوقت للتسلية سمة من سمات مجتمعاتنا الاستهلاكية بامتياز.. شباب ركبهم الخمول ولبسهم الكسل يهربون من الفراغ إلى الفارغ، يأنفون من الأعمال البسيطة ويؤثرون عليها مضيعة الوقت ، وآخرون يحلمون أكثر مما يسعون إلى أحلامهم ولو اجتهدوا قدر ما حلموا لتحققت أكثر أحلامهم ولهجرهم الملل والفراغ، لعل أسوأ مافي هدر الوقت أنه أشد الأمراض عدوى حيث ينقله أفراد إلى أفراد ويهديه أصدقاء إلى أصدقاء.. أعظم اللصوص هم الذين يهدرون وقتك وكم من اللصوص في شوارعنا وبين معارفنا وأقربائنا لا تأبه بهم السجون يسرقون مادة أعمارنا ويضيفونها إلى رصيد وقتهم المهدور . تغص أرصفتنا ومقاهي الانترنت بالشباب المشاكسين، بينما تئن الكتب على رفوف المكتبات العامة من ثقل الغبار ونحن أقل الأمم قراءة، ولاتجد الحدائق المهملة في بلادنا من يسيج أحواض زهورها ولا الشوارع الملوثة بالعبث والفوضى من يجلو أرصفتها ونحن أحفاد أول المزارعين في تاريخ البشرية وأبناء أول من أنشؤوا المدن في حضارتها. إن مقياس الأمم هو في مدى تقديرها للوقت فمن ينقذ شبابنا من آفة التسكع ولذة هدر الوقت.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار