الوحدة 8-6-2022
يُحكى أنه كان في البصرة محدّث يدعى أزهر السمان ، له حلقة درس ، فكان أبو جعفر المنصور يأتي إليها ليستفيد علماً ، فحين قامت الدولة العباسية يحكى أن أزهر السمان هذا توجَّه إلى المنصور ، فرحَّب به وقرّبه وقال له : ما حاجتك ؟ قال : ” داري تهدّمت ، وولدي يريد الزواج “. فأمر له المنصور بأحد عشر ألف درهم ، ثم قال له : لا تأتِنا طالباً . وفي العام التالي قدم عليه فرحّب به المنصور ، وقال : ما حاجتك ؟ قال : ” جئتُ مسلّماً ” قال : وقع في خلدي أنك لم تجئ مسلّماً ، وإنما جئتَ طالباً ، وأمر له بأحد عشر ألف درهم ، ثم قال له : لا تأتِنا طالباً ولا مسلّماً . لكنه في العام التالي جاءه فرحّب به ، وقال له : ما أقدمك علينا ؟ قال : ” جئتُ عائداً ” قال المنصور : بل جئتنا طالباً ، وأمر له بأحد عشر ألف درهم ، ثم قال له : لا تأتِنا طالباً ولا مسلّماً ولا عائداً . وفي العام التالي حضر ، فقال له : ما أقدمك ؟ قال : ” دعاء سمعتُك يا أمير المؤمنين تدعو به فجئتُ لأكتبه “. فضحك المنصور وقال : إنه دعاء غير مستجاب ، إذ دعونا به ألا نراك فلم نُستجَب ، وقد أمرنا لك بأحد عشر ألف درهم ، وتعال متى شئت فقد أعيتنا الحيلة فيك . – وفي محطة تراثية ثانية من غريب عادات الشعوب أن أهل الأندلس كانوا يلبسون البياض عند الحزن على الميت، ويقال: إنهم أخذوا ذلك عن الأمويين الذين قصدوا مخالفة بني العباس في لباسهم الأسود، وقد صاغ الشاعر أبو الحسن علي الحصري القيرواني هذا المعنى في صورة شعرية بديعة فقال: إذا كان البياضُ لباسَ حُزْنٍ بـأنـدلُسٍ فـذاكَ مـن الصَّوابِ ألم تَرَني لبستُ بياضَ شيبِي لأَنِّي قد حزِنتُ على الشَّبابِ.
د. رفيف هلال