وقال البحر .. أعطني موثقاً

الوحدة: 26- 5- 2022

 

 

لملمتْ أشياءها الصغرى على عجل، وأرتجت الباب وراءها بحركة عصبية مهددةً بأنها لن تعود ثانيةً حتى تأخذ موثقاً بعدم عودته إلى الخمرة مرةً أخرى.

هبطت درجات السلّم مسرعةً، ولم تلتفت إلى الخلف وغابت وراء جدار إسمنتي بقي وحيداً لا يعي شيئاً مما حدث.

كل ما يدريه أنه شعر بدوار ثقيل في رأسه فاستلقى على حصيرةٍ مرقّعةٍ تحت شجرة الزنزلخت وغطّ في سبات عميق.

* * *

انطلقت تمتماتٌ من بقايا صوته تنادي: لا تذهبي يا امرأة فأنا أحبكِ. لم أقوَ على تحمل ما نحن فيه، هي الخمرة تدبُّ في العروق دبيب النعاس فلا يملك المرء إلا وأن يدفعها في جوفه فدفعتها.

ودفعتها حتى لم تعد رجلاي تقويان على حمل جسدي. أو تعلمين أن ما نعانيه فوق احتمال عقلي.

فلجأت إلى الخمرة بغية النسيان وقلت لربما كأس تخمد النار التي في جوفي.

فإذا بها تتقد أكثر فأكثر.

* * *

صحيح أنني وعدتك سابقاً وأخلفتك الوعد. ما بيدي من الأمر حيلة يا امرأة وددت لو يفتح باب من الأبواب التي طرقتها بحثاً عن لقمة العيش أيعقل أن تُسدّ كل الأبواب بوجهي؟ وكم قرأت بوجهك أحزان النوارس المهاجرة وأعلم أن ما تكابدينه فوق احتمال العيون. ولكم فكرت في الهجرة, فتحلفين عليَّ ألاَّ أفعل ولأنني أحبك لم أفعل.

ولم أفكر في الأمر ثانيةً.

قلتِ: إن الله يرزق الدود في الحجر الجلمود ولا بد من أن يرزقك. ووددت لو أني دودة وجدت رزقها.

* * *

تهدج صوته حتى انطفأ. ليفيق بعدها ودمعتان تحجرتا في مقلتيه.

أدرك أنه كان يحلم. نادى على زوجته فلم يلقَ رداً مضى إليها معاتباً عادا معاً يرتقبان الرزق ولو في الحجر الجلمود..

سيف الدين راعي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار