الحرية الشخصية.. لا تعني الفوضوية والتمرد

الوحدة:22-5-2022

كلنا نتمنى أن نصبح أحراراً ونفك القيود التي تعوق دروب العقل وتحد من حركة الجسد سواء التي صنعتها الطبيعة أم أنظمة الحكم الإنسانية المتعاقبة، والإنسان بطبعه يهفو إلى التحليق والقفز فوق الأسوار والانطلاق وكسر الحدود وتخطي الإشارات حيث لا رقباء ولا أوصياء، وتظل الحرية الغاية و الحلم المشتهي وليست هناك أحلى من ثمرة الحرية التي تمنح نفسها مكافأة لمن سار على طريقها الشائك ودفع ثمنها الباهظ، وعلى مرّ التاريخ ليس هناك كلمة اختلف البشر عليها وأسيء فهمها واستخدامها مثل كلمة الحرية التي لا ترتقي البشرية إلى المزيد من الإنسانية والعدل إلا بتكسير الأوهام التي تكبلها وعدم الخوف من دفع فاتورة ثمنها والاكتفاء بالانتظار على رصيف الحياة.

الحرية من صناعة العقل والمعرفة، والإنسان يحلم أن يكون حراً ويفك القيود التي تعوق عقله وتحد من حركة جسده، الحرية الإنسانية مسؤولية أخلاقية وليست فوضوية واحترام المبادئ الأخلاقية والسلوكية في أن يختار الفرد ما يراه مناسباً له بعقلانية متنورة لا بعشوائية أو عدوانية أو أنانية، وتتضمن الحرية الإنسانية القائمة على انفتاح الفكر والارتقاء بالإنسان وقيمه وأخلاقه حرية الفكر والرأي والمشاعر والعاطفة وحرية الذوق الشخصي ووضع خطة الحياة بما يتناسب مع المجتمع ولا تعارض أو ترفض حرية الآخرين أو أفكارهم.

القانون الطبيعي الذي يحكم البشر قائم على العقل، ويجب على الإنسان تشغيل عقله في بحثه عن الحرية وكلما توسعت دائرة علم الإنسان اتسعت دائرة حريته، والحرية منبعها الداخل وليس الخارج وأغلب الناس يريدون الحرية ويتغزلون بمحاسنها لكنهم يتهربون من دفع ثمنها، وكلما زاد جهل الإنسان زاد شعوره بالجبرية والتسليم الأعمى والانقياد للخرافة والمخرفين، وفي المجتمعات البدائية القديمة كانت الحرية تعني التحرر من العبودية الجسدية، فالجاهل مقيد بجهله ولا يعرف معنى الحرية ولا يمارسها  .

الحرية لا تعني الانفلات والتحلل من الالتزام بالقوانين والضوابط والأخلاقيات التي تضبط حركة المجتمع وتنظيم شؤونه وأن يفعل الإنسان ما يشاء دون قيود وضوابط، بل هي مسؤولية شخصية ومجتمعية، وليست مثل حرية الطبيعة التي لا تخضع لأية قيود، والكثير من الناس يعتقدون أنهم أحرار الفكر وأحرار الإرادة وأحرار المصير ويختارون بإرادتهم الشخصية الحرية المستقلة، بينما الحقيقة أن اختيارهم ليس إلا استجابة للإرادة المجتمعية الجماعية الأكثر سيادة ورواجاً، لا يختارون بحرية شخصية لكنهم يرضخون للتقاليد المجتمعية المتبعة الموروثة، حرية الامتثال للقيم التي تروجها الثقافة الشعبية والموروثات الاجتماعية والخوف من الإدانة الأخلاقية، يختارون مجبرين الحرية التي تتماشى مع إرضاء المجموع ولا تثير حفيظة الرقيب الديني وتتناغم مع القيم الدارجة والعادات والتقاليد الموضوعة منذ آلاف السنين..

في كتابه الوجود والعدم يقول الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر: (إننا نفعل كل شيء للهروب من حريتنا)، وكأننا نهرب من قدر المواجهة وجهاً لوجه مع ذواتنا.

ستظل الحرية دائماً الحلم والغاية الأسمى التي ينشدها الإنسان وهي مشروع حضاري لإعداد إنسان فاعل في مجتمعه، وهي مرفوضة إذا مست مشاعر الكل وهددت طمأنينة المستقبل وحرفت سيرورة المعتقد وأهانت التاريخ..

يقول المناضل العالمي نيلسون مانديلا: ( الحرية لا تعني التملص من الأغلال فقط، إنها نهج حياة يقوم على احترام حرية الآخرين(.

نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار