في يوم الوطن

الوحدة 2-5-2022
خلف خطوط النار، على عمود الكهرباء معلقٌ بين الأرض والسماء محاطٌ بأسلاكٍ تجتر الخطرَ ويجترها، قد يلتهمه الشرر في لحظة الغفلة ، قد تعاجله رسالة الموت في ظرف رصاصةٍ طائشة، قد تتقصده المنية عبر منظار قناصٍ لئيم، يعاند الشرر والموت واللؤم، ويبقى معلقاً بين الأرض والسماء، حتى يتم إصلاح ما أفسد الإرهاب وتتأمن عودة التيار.
على تخوم غابةٍ تلتهمها نار الحقد والخسة يندفع مُذَخَّراَ برشاش المياه القديم، مرتدياً لباس الإطفاء البالي الذي من المفترض أن يكون عازلاً، مقنَّعاً بقناعٍ من المفترض أن يكون واقياً، في جيب سترته حجابٌ أودعته زوجته عله يوفر أسباب الحماية، يدخل لجةَ الأتون محاطاً باللهب والدخان ولايخرج حتى تطفئ مياه رشاشه ألسنة الحقد والخسة.
تحت وطأة شمس الظهيرة يحمل مكنسته محاولاً تنظيف ما لوثته أرواح البشر قبل أياديهم في الشوارع والأرصفة، قد تغافله الشمس بحمأتها، قد يغافله سائقٌ لا يعرف من فن القيادة وأخلاقها إلا هياج الثيران، قد يغافله مقذوفٌ أطلقه أصحاب “الربيع” بعد التكبير وتلاوة “وما رميت إذ رميت لكن الله رمى”!، لايعود إلا بعد انتهاء مهمة التنظيف.
يترجل من سيارة الإسعاف مسرعاً، أحدهم أجرى اتصالاً من جواله مع جوالٍ مثبتٍ في سيارةٍ مفخخة مركونةٍ بالقرب من مدرسة، البارود التهم الحقائب والدفاتر والضفائر، يتصبب عرقاً بينما يحاول إنقاذ ريحانةٍ غضةٍ تتصبب دماً، قد يلفظ وجع روحه إن لفظت أنفاسها بين يديه، لا يعود إلا بعد أن تلفظ روحه آخر أنفاس وجعها.
على خط الإنتاج يقف مع زملائه يسابق الزمن ويتآلف مع حركة المسننات والآلات، ينتج فوق البساط المتحرك ما يأكله أبناء الوطن، ما يلبسه أبناء الوطن، ما يستخدمه أبناء الوطن، قد لا يجد أولاده ما يشتهونه من المأكل والملبس لكنه لا يعود حتى يتم تأمين ما يلزم لأبناء الوطن.
قائمة رجال الوطن وإنجازاتهم في كل المجالات تطول وتطول، في زمن الحرب كانوا رجال الحرب خلف خطوط النار وفي زمن الإعمار أضحت الحاجة إلى زنودهم وعقولهم أكبر.
بعد عشرية النار والبارود، بعد عشرية الألم والمعاناة، في يوم عمال الوطن، في يوم الوطن، كل عام ووطننا وطن العمال.
                                                                شروق ديب ضاهر
تصفح المزيد..
آخر الأخبار