المخرج العالمي مصطفى العقاد.. من حلب.. إلى هوليود

الوحدة 11-4-2022

عاش في الغرب وظلّ وفياً لعروبته وعقيدته، صاحب مشاريع إبداعية كان لها تأثير كبير في الزمان الذي عاشه، أتقن أدوات خطاب العقل الغربي وهي الخسارة والربح واحترام الفن والمنطق ونجح في فيلم عمر المختار بتمرير مضمون فكري أبعد من الفيلم، ورغم أنه يتحدث عن مناضل عربيّ ليبي أعدم في الثلاثينات، إلا أن إسقاط القضية الفلسطينية حاضر في كل تفاصيل الفيلم وساهمت أفلامه في كشف غطرسة في نظرته وسلوكه واستعلائه ،وغيرها من نواتج الحضارة الغربية التي تقدمت علمياً وتدهورت بشرياً وأخلاقياً إلى أن قضى نحبه اغتيالاً من قبل الصهيونية وأتباعها وأذنابها من المتطرفين.

حلم بهوليود وجاءت الفرصة سانحة بالموافقة على قبوله بقسم المسرح في جامعة (يو إس ل آي) في لوس أنجلوس، وخرج من حلب حاملاً أحلامه ليعود إليها بعد نصف قرن ساحباً ظله الذي سقاه من روحه لينمو أخضر في قلوب مشاهديه على امتداد مساحة العالم العربي والإسلامي والغربي، وبعد تخرجه من قسم المسرح عام 1958 أصر على عدم تغيير اسمه العربي لتزداد مهمته صعوبة وتضيق الفرص أمامه في معترك صعب لإيجاد فرصة العمل في ميدان تسيطر الصهيونية على 90% منه، وحتى إنجاز فيلم الرسالة عانى العقاد من المضايقة والتحجيم والحظ العاثر وعمل في مجالات السينما المختلفة من التمثيل المسرحي والسينمائي إلى الإخراج والإنتاج وهو يضمر ويعمل لاكتساب الخبرة التقنية من كواليس هوليود وآليات عملها الفنية والفكرية لضمان نجاح مشروعه الأهم لإنتاج فيلم الرسالة، وكان يبدي امتعاضه من بعض العرب الذين يغيرون أسماءهم ويتنكرون للغتهم وقيمهم وكان يردد: (الآخرون لن يحترموك إلا إذا احترمت نفسك)، وانتقد قيام بعض السينمائيين العرب بتقديم موضوعات عن العرب لا تبرز الوجه الحضاري للأمة العربية معتبراً أن كل أمة لديها مجموعة نقاط سوداء في تاريخها لكنها لا تعمد إلى تقديمها على أنها الصورة السينمائية الأصلية عنها.

واكب فيلم الرسالة المدهش إخراجياً والمختلف موضوعاً والمميز تمثيلاً الكثير من المعاناة والمنغصات وخاصة بعد ما نشرت الصحافة في بداية السبعينات خبر عزمه على إنجاز الفيلم وانبرى عتاة التاريخ الأصولي والمتدينون المتطرفون إلى تكفير الرجل وتحريم عمله ومناشدة الدول التي وافقت على التمويل لسحب تمويلها وإهمال المشروع وخاصة الفتوى التي أطلقها رجل الدين المتطرف السعودي ابن باز بتحريم تجسيد الرسول الكريم (محمد) أو أي من الصحابة، وساهمت تلك الفتوى في تعقيد مهمة العقاد وانفكاك معظم الممولين عنه، ولم ييأس وتابع مهمته وحصل على موافقة الإمام موسى الصدر في لبنان والأزهر الشريف في مصر على قصة الفيلم التي كتبها نخبة من الكتاب من مصر (توفيق الحكيم – عبد الحميد جودة السحار)، وهاري ليفاف من الولايات المتحدة الأمريكية وتمّ تنفيذ الفيلم الضخم بطاقمي عمل عربي وأجنبي وخرج الفيلم بنسخته العربية بطولة عبد الله غيث ومنى واصف والأجنبية بطولة الممثل العالمي المكسيكي أنطوني كوين ،وقد حاولت شركات التوزيع محاصرته لأنه يتعدى الخطوط الحمراء الموضوعة من قبل الصهيونية المسيطرة على أهم مفاصل العمل السينمائي في هوليود.

بعد إنجاز فيلم عمر المختار ابتدأ العقاد بإخراج سلسلة أفلام الرعب (هاللوين) وعددها ثمانية وعمل فيها مخرجاً ومنتجاً ومنفذاً وهي أفلام غربية بحتة ومنتجة للغرب وتمنّى على العرب عدم مشاهدتها لأنها غير موجهة لهم وهدفها الأساسي الربح المادي الذي يمكّنه من الاستمرار بالعمل في هوليود، والهاللوين هو عيد البربارة في الغرب وخاصة في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والبلدان الناطقة بالانكليزية حيث يخرج فيه الأطفال متخفين بثياب مختلفة يطرقون أبواب المنازل مخيرين أصحابها بالحصول على الحلوى أو النقود أو ممارسة المقالب عليهم ما يحوّل العيد إلى مناسبة لأعمال القتل والتبشيع بالجثث والرعب وهي أفلام مشغولة بلغة سينمائية بحتة استمرت في هوليود لمدة خمسة وعشرين عاماً إلى حين تصفية واغتيال العقاد.

كان العقاد يحلم ببناء مدينة سينمائية تقنية عربية متكاملة مثل هوليود وبوليود وزيادة دور العرض في الدول العربية، وبإنتاج فيلم عن صلاح الدين الأيوبي وتمكن من تأمين التمويل له وبدأ باختيار مواقع التصوير في الأردن والتفاوض مع الممثلين وعلى رأسهم شون كيري وسلمى حايك وعمرو دياب، وللأسف كل قصور الورق التي بناها طارت مع السافيات الذاريات في ظروف اغتياله الغامضة في الأردن.

نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار