(متصل أبداً..)

الوحدة: 10-4-2022

 وحين نشر البشر كذبهم الأبيض على أبواب نيسان، فقدت سارة قدرتها على الكذب والادعاء…، خرجت من نفسها الصامتة، وارتدت الضوء ثوباً، وسارت في طريق ما، فتحت جوالها وكتبت إليه:

أنا لست بخير ..نعم مازلت كما تركتني ذات شتاء، وردةً عالقةً على سياج قلبك الثلجي، أبدأ صباحي باسمك، أحمله فكرةً عذبةً ترافق نهاراتي وأغفو مساءً على قصةِ حبّكَ وأنشودةٍ ترنمها روحي لتحظى ببعض سلام…

أحمد ….لا أريد أن أكذب بعد الآن، أنا أفتقد لحظات لقائنا التي يتوقف قلبي عندها، على أمل أن ينبض في مصادفةٍ أخرى.

أشتاق تفاصيلك والكثير مما بيننا ولا يقال.

أعلم أني وعدتك ألا أفتقدك، وعدتك أن ألتزم بالحدود التي فرضها عقدان من الزمان فصلا بين عمرينا، وعدتك أن أعيش شبابي، لكني كذبت، صرت أبحث عنك في كل الوجوه، أتنفس رائحتك في كل مكان جمعنا، لم أقدر أن أظل شابة، تجاوزت ذلك منذ زمن، نضجت بقربك، وهرمت في بعدك.

أسمعك الآن تقول لي: لاتكتبي وأنت تسيرين، الكتابة إبداع يحتاج إلى تأمل مهما كان نوعها.

هلّا توقفت قليلاً عن كونك مسؤولاً عن الجميع، أفسح المجال لشابة تحبك أن تكون مسؤولة عن إسعاد قلبك العجوز.

لا تقل لي إنما الحب يحيا بالكتمان، الحب لايمكن إخفاءه، لأن الحب يرسل إشارات بين المحبين ويحدث بينهم تفاعلات أشبه بكيمياء من نوع ما، تجعلهم يفكرون في حضرة الحب بصوت عالٍ، بل إنهم يفهمون مالا يقال ويشعرون بما لا يُرى… الحب يفضحه عدم قدرتك على إنهاء محادثة مع من تحب، ولهفتك حين سماع ذكره…وشوقك إليه في حضوره.

الحب أن تكتب عشرات الرسائل وليس بمقدورك إرسالها إلا عبر أثير الروح، ولكنك تدرك أنها ستصل من دون شك.

أضف لذلك أنك عندما تقرأ عبارة (متصل الآن) فستشعر أنك متصل بالحياة.

نعم يا أحمد، نعم …مازلت أفتقدك وأتفقدك، أكتب إليك كل مساء، أترقب متى كنت نشطاً آخر مرة، وهل أنت متصل الآن؟!

أريد أن أخبرك كلما تلون ذلك الشريط الأخضر، أنك متصل دائماً مع قلبي حتى في غيابك.

نعم كلما قرأت آخر ظهور لك يرنم قلبي أغنية ملحم بركات: أحلى ظهور ظهور القمر.

لو تعرف كيف أشعر، وكم تحييني عندما أراك متصلاً، ماكنت لتغيب أبداً.

لعلي سأمحو هذه الرسالة، كما فعلت آلاف المرات، لكنني أعلم أنك تعلم، أجل أنت تعلم وتدرك أن اتصالي بك مستمر طوال الحياة.

أرادت سارة أن تضغط زر الإرسال، لكنها تذكرت جحوده، توقعت ألا يرد كعادته، نزعت ثوبها، دخلت في قوقعتها الباردة وانطفأت.

***

على أبواب أيار …تمنى أحمد لو يخرج من نفسه الجاحدة، لو يرتدي مثلها الضوء، لو يراها بعيني القلب كما نصحته ذات إشراقة، فتح رسالة قديمة كانت قد أرسلتها له وتجاهلها متعمداً، قرأ مقتطفات من (قصة مازالت على قيد الوجع) كتب إليها: بعيني قلبي سأقول بداية رائعة، ولكن النقد لايقوم بأعين القلوب، بل بأعين العقول الحريصة على القلوب.

تذكر آخر مراسلة بينهما: – تراودني أسئلة كثيرة أود لو تجيبني عنها.

*  قلت لك أنت مفوضة، ويمكنك أن تجيبي عني عن كل الأسئلة.

–  تصبح على فرح.

*  تصبحين على ارتياح.

–  آمل أن أفعل.

*  متأكد أنك ستفعلين.

ثم قرر أن يتوقف عن الرد ليمنحها فرصة أن تفعل وتتحرر منه، لايمكنه أن يتورط في علاقة مع شابة مثلها، لايمكنه أن يحرمها من أمومتها، كان متأكداً أنها مستعدة لتضحي بكل شيء لأجله، لتعيش حياته لاحياتها، ستكون أماً له وحبيبة وصديقة…. لكنه لايمكن أن يكون أنانياً، إنه حطبة يابسة، وهي نبتة يانعة يجب أن تزهر وتثمر.

آلمته قسوته المتعمدة معها قبل أن تؤلمها، لكنه الدواء بالكي لكليهما، كل النهايات مغلقة في سطور قصتهما، لذا ظل ملتزماً بثوبه البارد، يرى العالم بعيني عقله فقط… متجاهلاً اتصال روحه الدائم بها.

نور نديم عمران

تصفح المزيد..
آخر الأخبار