الوحدة : 1-4-2022
لم يبق على رمضان إلا أياماً قليلة، فأسأل الله أن يبلغكم ومن تحبون أيامه ولياليه وأنتم في أتم الصحة والعافية، مازلنا نعيش في أجواء رمضان الروحانية يظللنا بسكينته اللامتناهية، ويأسرنا بعفوية المصالحات مع من لا نراهم إلا مرة كل عام، حين ينتظم عقد هذا الشهر الفضيل الذي من عاداته الجميلة جمع المتفرقين، وإصلاح المتخاصمين، وتواصل المتقاطعين فهو شهر الأرواح بكل مافي هذه الكلمة من معنى، وأهم شيء في رمضان أن نفهم نفسية رمضان، فهو ليس شهراً عادياً بل هو كائن حي في صورة شهر، وفيه من الخيرات ما لو وزع على العالم بأكمله لكفاه، ومن هنا تأتي حاجة الإنسان إلى التصالح مع الذات قبل التصالح مع الآخرين ولكن هل من المعقول أن يعادي الإنسان نفسه ؟ والجواب هو نعم … فمن يهجر أبناءه وبيته وأهله راكضاً خلف حطام الدنيا الفاني، هو شخص ليس عدواً لنفسه فقط بل هو أيضاً عدو لأقرب الناس إليه، وهم أهله وأطفاله وأقرباؤه حين ينساهم ويتذكر أرقام الحسابات الطويلة فلا يخطئ في كتابتها عن ظهر غيب ، ويجعل الدنيا وجمع حطامها كل همه وغاية مناه، وكذلك من يدمن المحرمات من مشروبات كحولية ومخدرات وغيرها هو أيضاً أشد الأعداء لنفسه لأنه يجلب لها الموت والدمار والخراب ولعل ألد أعدائك مهما عمل، فإن غاية مايفعله أن يجلب لك الموت وذلك هو مايفعله بالضبط من يدمن المحرمات، فيصرف عليها ما كان يجب أن يصرفه على بيته و أبنائه، ثم إن نهايته الأكيدة هي الموت بسبب هذه الآفة القاتلة ولكن كيف يتصالح الإنسان مع ذاته ؟ هل يوقع مع نفسه معاهدة سلام وعدم اعتداء، ام ماذا ؟ إنها مسألة محيرة. فأنت قد توسط طرفاً ثالثاً لحل أية مشكلة أو سوء تفاهم مع أي شخص في الدنيا، ولكنك لا تستطيع أن تفعل ذلك مع ذاتك ولهذا تستمر العداوة بينك و بينها دهراً طويلاً قد يستغرق العمر كله، لتكتشف في نهاية المطاف أنك كنت تعادي نفسك بنفسك وتدمر حياتك بيديك ولا تستطيع أن تلوم أحداً غيرك. والآن جاء موسم التصالح مع الذات، والوقوف أمام المرآة للترافع عن نفسك التي تحاكم نفسك ثم إعلان التوبة بعدم الرجوع إلى ما كنت عليه قبل رمضان من أخطاء ، كنت ترتكبها في حق نفسك مع سبق إصرار وترصد…. فإذا استطعت أن تعترف أمام نفسك بما صنعته من إساءات فإنك تكون قد قطعت نصف الشوط في (مشوار )التصالح مع الذات، وإذا نجحت في عقد اتفاقية السلام الداخلية مع ذاتك، فعليك ألا تنقضها بمجرد حلول العيد بل عليك أن تكون صادقاً …دائم الالتزام بما اتفقت عليه مع نفسك خلال شهر رمضان وإلا فالنتيجة ستكون مدمرة.
لمي معروف