الوحدة 27-12-202
انخفاض الأداء الاجتماعي والمدرسي للأطفال، وكذلك الزيادة في معدل الاضطرابات التعلمية وغيرها من المشاكل التي تصادفنا في تعاملنا اليومي مع المواقف والسلوكيات المتعددة عند أطفالنا .. كلها يمكن اعتبارها من الرسائل التربوية الهامة والتي يجب التوقف عندها مطولاً لمعالجتها وإيجاد السبل الأفضل لتجاوزها بأقل الآثار السلبية .. وكذلك من أجل الوصول إلى أحسن النتائج التعليمية والاجتماعية والقيمية التي تحدد فيما بعد مسار أطفالنا في الحياة وترسم ملامح مستقبلهم كما يطمحون أولاً وكما نخطط له كأهل ومربين ثانياً . هذه الرسائل كانت محط اهتمام المعالجة الطبيعية والمهنية فيكتوريا برودي، والتي لديّها سنوات من الخبرة مع الأطفال والأهل والمعلمين ، حيث أشارت إلى أن أطفالنا يصبحون بالتدريج أسوأ فأسوأ من نواحٍ كثيرة. فحسب رأيها – وكما نعرف – أن الدماغ عضو قابل للتطويع. وبفضل الظروف المحيطة، نستطيع أن نجعله أقوى أو أضعف. لكنها تعتقد أنه ، وبالرغم من كل النوايا الحسنة للأهل والمربين ، إلا أنهم يقومون بتدريب دماغ أطفالهم في الاتجاه السيء. وهناك عوامل عديدة في أسلوب حياتنا تساهم في ذلك . أما أهم الأسباب المسؤولة عن هذا التوجيه والتي أدرجتها المعالجة برودي في بحثها فتتمثل أولاً في العالم الاصطناعي المسلي الذي وفرناه لأطفالنا بحيث لاتكون لديهم لحظة ضجر. فنحن نعيش في عالمين منفصلين. لديهم عالمهم – التسلية – ولدينا عالمنا – العمل – لماذا لا يساعدنا الأولاد في أعمال المنزل؟ لماذا لا يرتبون ألعابهم ؟ هذه أعمال أساسية تدرب الدماغ على العمل تحت ضغط الضجر ، وهي نفس العضلة التي ندربها في المدرسة. عندما يصلون إلى المدرسة ويتوجب عليهم أن يكتبوا، يكون جوابهم هو لا أعرف.. لماذا ؟ لأن هذه العضلة تتشكل عن طريق العمل لا الترفيه. أما العامل الثاني في مجتمعنا المعاصر فترى المعالجة برودي أنه يعود إلى التفاعل الاجتماعي المحدود، فنحن كلنا مشغولون لذلك نعطي أجهزة الكترونية لأولادنا لنشغلهم عنا . كان الأولاد معتادين على اللعب في الخارج حيث كانوا يتعلمون، في أجواء طبيعية، وينمون مهاراتهم الاجتماعية. لسوء الحظ أن التكنولوجيا حلت محل اللعب في الهواء الطلق، كما أنها جعلت الأهل لا يتحملون مسؤولية التفاعل الاجتماعي مع أولادهم.. بالإضافة إلى أن أطفالنا يحصلون على كل شيء في اللحظة التي يريدونها على الرغم من معرفتنا بأن إمكانية تأخر المكافأة هي إحدى العوامل الأساسية التي تلعب دوراً في نجاح أولادنا في المستقبل. فالقدرة على تأخير المكافأة تعني القدرة على مواجهة موقف ضاغط نفسياً. يصبح أولادنا شيئاً فشيئاً أقل جهوزية لمواجهة عوامل الضغط النفسي الثانوية التي تنتهي بأن تصبح عوائق ضخمة أمام نجاحهم في الحياة. وهذا يُلاحظ غالباً في الفصول الدراسية، المراكز التجارية، المطاعم ومخازن الالعاب في اللحظة التي يسمع فيها الولد كلمة – لا – لأن الأهل علّموا أولادهم الحصول على ما يريدون فوراً. وتؤكد المعالجة برودي أن العامل الثالث في عدم تكيف أطفالنا مع محيطهم هو التكنولوجيا فعندما يأتي الأولاد إلى المدرسة، فهم يتعاملون مع تحفيزات صوتية وبصرية متناسبة، بدل التأثيرات التي تعودوا أن يروها على الشاشات. وترى الباحثة أنه وبعد ساعات في العالم الافتراضي، يجد الأولاد صعوبة أكثر فأكثر في معالجة المعلومات التي يتلقونها في الصفوف المدرسية لأن دماغهم يعتاد على مستويات عالية من التحفيز الذي تفرضه عليهم الألعاب الالكترونية . وهذا ما ينتج عنه عدم القدرة على معالجة المستويات الأدنى مما يجعلهم ضعفاء في مواجهة التحديات المدرسية. ويمكن معالجة ذلك بالحضور العاطفي للأهل فهو الغذاء الرئيسي لدماغهم . ولكن لسوء الحظ، نحن نحرم أطفالنا بالتدريج من هذا الغذاء. أما أخطر العوامل المؤهبة للتنافر بين الأطفال والأهل فيعود إلى ظاهرة حديثة تتمثل في فرض آرائهم ومتطلباتهم بحيث أصبح – وحسب رأي الباحثة – الأولاد يديرون العالم ، فهم يفرضون علينا كأهل نوعية الأكل واللباس والألعاب وساعات النوم والأهم من ذلك كله حياة التراخي والكسل في أداء أبسط فروضهم وواجباتهم ، وتتساءل الباحثة : منذ متى كان الأولاد يفرضون علينا طريقة تربيتهم ؟ فبدون نظام غذائي جيد ونوم كافٍ في الليل، سيصل أولادنا إلى المدرسة متوترين، وغير قادرين على الانتباه. بالإضافة إلى أننا نبعث لهم رسالة سيئة وهي أنهم يستطيعون أن يفعلوا ما يريدونه ويمتنعوا عما لا يريدونه. فمفهوم الواجب غائب عندهم. وتدق الباحثة جرس الإنذار لتوعيتنا من هذا التعامل الخاطئ مع أطفالنا ، فنحن ، من أجل بلوغ أهدافنا في الحياة، يجب أن نقوم بما هو ضروري، وهذا ليس دائماً ما نريد أن نفعله. فأولادنا يعرفون جيداً جداً ما يريدونه، لكن لديهم مشكلة في فعل ما هو ضروري لبلوغ أهدافهم.
فدوى مقوص