على إيقاع الوجع…

الوحدة : 18-11-2021

هي طريق واحدة لا ثاني لها.. اعتمد على نفسك, ولا تنتظر أن تهطل الحلول لا من الحكومة ولا من السماء!
(دبّر راسك), ومشهد رجل بكامل أناقته ينبش أكياس القمامة تحت نافذة مكتبنا في جريدة (الوحدة) يختصر الكثير من الألم الذي لا يداويه أي أمل…
على فكرة, إما أن الحاويتين الجاثمتين أمام نظرنا باستمرار غنيتان جداً, (يتعاقب عليهما يومياً أكثر من خمسة نباشين) وإما هناك زحمة كبيرة على الحاويات في كل أرجاء المدينة المتعبة حقاً..
هنا في اللاذقية, تبدو هذه الصورة واضحة, أما الأسباب فليس أقساها الوضع المعيشي الحالي, وإنما ما أنتجته عشر سنوات حرب ظالمة في قسم كبير منّا من (ثقافة وجع) قد تحتاج عقوداً من الزمن لتغييرها!
الأبشع من (نبش القمامة) هو المقدمات التي فاقمت هذه (الحالة) التي يتسابق بها (أبطالها) مع عمال النظافة المرافقين لسيارات ترحيل القمامة على (اللقى) في الأكياس!
لن نستطيع أن نلوم شخصاً يريد أن يعيش, وسيكون من المضحك جداً أن تذكره أننا في زمن الكورونا, وأن عليه أن ينتبه إلى نظافته الشخصية, فالمسألة هنا ستتحول إلى مشهد من مسرحية عبثية!
ليست المرة الأولى التي نتناول بها ها المشهد، ولن تكون الأخيرة لأنه مؤلم حقاً ولا نريد أن نراه.
في الأسباب, من الطبيعي أن تنتج أي حرب واقعاً مختلفاً, فما بالك بحرب قاسية كهذه المستمرة منذ 2011, والتي استخدمت فيها وحشية لم تعرفها الإنسانية من قبل!
وفي الأسباب أيضاً, فإن عجز الجهات التنفيذية والخدمية عن إدارة المتاح لديها بالشكل الأمثل فاقم المعاناة من جميع الجوانب, وتوّج هذه الحالة الغياب شبه التام للجمعيات الخيرية وغير من أذرع التدخل المجتمعي للحفاظ على(كرامة إنسان) تراق بجانب حاوية!
وفي الأسباب أيضاً, عجز الأسرة عن تحقيق التعاضد وسّع الجرح, وصار (بطلاً) كل من يستطيع أن يؤمن لأسرته كفاف يومها!
لا تنتهي الأسباب هنا, ولن نستمر في سردها, فهي معروفة للجميع, والإكثار من ذكرها قد يجعل تجاوزها إلى النتائج والحلول صعباً, ولكن وقبل أن نطوي الأسباب نسأل: هل يرى المعنيون ما نرى؟
في النتائج, تلوث بصري كبير وإيقاد النار في هشيم الأمل وتكريس لمخلفات حرب كان يفترض أننا بدأنا بمعالجة آثارها.
وفي النتائج أيضاً, فإن عدد الفقراء يزداد, لكن من الصعب علينا جميعاً تقبل أن يؤدي بنا الفقر إلى هنا.
وفي النتائج أيضاً, الخوف من استمرار الوضع على ما هو عليه الآن، ما يزيد عدد الباحثين في القمامة عن لقمة عيشهم…
وقبل الانتقال إلى الحلول, نذكّر أنفسنا قبل غيرنا أننا محاصرون ومحاربون, وأن أدوات الإجرام فعلت فعلها على مدار العشر سنوات الماضية ولكن!
أخطأت القرارات الحكومية بتسهيل الحصول على قروض شخصية وعلى قروض ذوي الدخل المحدود ورفع سقفها, ونعتقد أن عدداً كبيراً من الموظفين حصل على هذه القروض.
الحكومة أعطتنا (سمكاً) ولم تعلمنا الصيد أو تساعدنا عليه, فالتهمنا السمك (القرض) في أيام معدودات، وسنبقى تحت وطأته خمس سنوات, نقسّط الوجع, ونلعن الساعة التي أجبرتنا فيها القلة والعوز إلى طلب هذا القرض وقد نفكّر بـ (الحاوية).
سيتحملنا أحبتنا في موقع القرار، لكن هذه القرارات غير شجاعة، وكان الأجدى أن يتم استثمار مبالغ القروض في مشاريع إنتاجية حقيقية تشيّدها الدولة، وتوفر من خلالها فرص عمل، وتنتج ما يحتاجه السوق بكلفة وبسعر أقل مما هو في السوق!
حتى الآن وبعد عشر سنوات من لجوئنا إلى (اللدّات) في الإنارة هل نصّنع هذه الأشياء البسيطة؟
ما علاقة القرارات والقروض بـ (نبش القمامة) ولماذا هذه الخلط؟
والجواب: قبل (10) سنوات كنّا بالصدفة نجد شخصاً ينبش القمامة, الآن وحيث اتجهت نجد من (ينبش) أو تجد القمامة منبوشة, ولو أن القرارات الاقتصادية (البسيطة) أثمرت خيراً لما زاد عدد المضطرين إلى هذا العمل!
الحل في أرضنا وبسواعد مزارعينا, شرط أن نوفر لهم مقومات الإنتاج بيسر وسهولة, ونضمن لهم هامش ربح يحفزهم على الاستمرار في أرضهم, وإنشاء صناعة زراعية حقيقة تستوعب كامل إنتاجنا, وتشغّل القسم الأكبر من أبنائنا، وتفتح أمامنا طاقات أمل في حياة أكثر راحة, وأقلّ قلقاً…
والحل أيضاً بـ (حصّة الفقراء بحال الأغنياء) لا العكس, لأن التوازن في المجتمع هو لصالح كل أفراده, والفقر قد ينتج (انحرافاً) يصبح من الصعب تقويمه!
أرضنا خيّرة ومعطاءة, وقادرة على استيعاب كل الأيدي العاملة فيما لو استثمرت كلها بشكل صحيح, وفيما لو وجدت قوانين عمل عادلة تشجع الجميع على العمل في الأرض وفي غيرها…
نتمنى أن تكون هناك يد حانية, وعقل متأنٍ, يدرس هذه الحالة والتي لن نبالغ بوصفها بـ (الظاهرة) قبل أن تستفحل وتكون كذلك لا قدر الله.

بقلم رئيس التحرير غانم محمد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار