الوحدة 29-10-2021
يتسم شعر ممدوح لايقة بقوة السبك والتعبير, وجزالة الألفاظ يجعلك تحلق في فضاء رحب، تلون قصائده روح حزن شفيفة، الشاعر ممدوح من مواليد اللاذقية- بكسا، 1960، عضو اتحاد الكتاب العرب، له إصدارات عديدة منها: زمن آخر للصمت- مرايا الانكسار- جراح الناي- أقوم من رمادي- نشيد لكوكب الجبال- من أحوال الغريب.
(الوحدة) التقته ومعه كان حوارنا الآتي…
– معظم أغراض شعرك مفتوحة على الحب والحياة, كيف توضح ذلك للقارئ؟
إذا كان الشعر خلاصة تجربة إنسانية, بما تحتمله هذه الكلمة من تشعبات، فهو شكل من أشكال هذه الحياة, لكنه ليس بالضرورة حياة المرء بحرفيتها وحذافيرها، إنه حياة من نوع مختلف، والحب هو الشكل الأسمى للحياة, يضيف أبعاداً, ويلغي حدوداً, ويرسم عوالم و تصورات, ويكتشف مجاهيل, شأنه شأن الشعر، إنه حياة مطلقة. لكن على أن هذين الأمرين (الحب والحياة) اللذين يمكن اعتبارهما درجة كبيرة من التماهي و التداخل لدرجة يغدو فيها كل منهما صنو الآخر, وبرغم ذلك فهما ليسا المحرك الأساسي للشعر فقط بل للفنون عامة، وللحديث عنهما أو فيهما شعراً دليل على تحقق وجود الكائن (الشاعر) ولو لم يكونا بالشكل الذي يبتغيه سامياً ونبيلاً فما معنى وجوده؟ إنني أحاول رسم حياة أفضل بلغة أحرص أو أطمح أن تكون أجمل بيد أن أغراضاَ أخرى عديدة تتداخل معهما, أو متضمنة فيهما ليست بمنأى عن مضامين قصائدي لدرجة يمكنني القول فيهما: إن الكتابة عن الموت هي شكل من الكتابة عن الحياة.
– ما قصة روح الحزن الشفيفة التي تلون قصائدك؟
لطالما سئلت عن هذا الأمر, والآن أقول: إنني بطبعي أحمل طاقة فرح كبيرة بالرغم من كوني أجد نفسي حزيناً، إلا أن الحزن الذي تقولين إنه باد في قصائدي فهو يحمل الكثير مني, حزن بحجم المعاناة والمرارات التي لونت فصول حياتي بألوانها, حزن يخترن الألم الجليل الذي أختزنه محاولاً قدر استطاعتي أن أصنع منه فرحاً من نوع ما، ولا أجد غرابة في ذلك إذ أن القوة الحقيقية, أو القدرة على الحياة هي في اختراق الألم لاجتراح معجزة الفرح، الحزن المجيد، الحزن الذي يبني ويشيد ممالك أجمل وليست الكآبة التي تسد المنافذ والآفاق، حزن لا تكلف فيه, ولا ابتذال, أي ليس تحازناً، ويمكنني القول أيضاً: وإن الحزن الذي تتحدثين عنه ليس حزناَ فردياً, إن كان ذاتياً, فأنا فرد في الفضاء الإنساني, ولا بد أن أتحسس ما يدور حولي, وما أواجهه من خيبات ومآس لا يمكن بحال من الأحوال أن يجعلني فرحاً, وإلا لكنت عاجزاً عن الإحساس إنني لا أريد أن أكون حزيناً, إنه يلاحقني أنى و حيثما نظرت، في المحصلة، ليس من مهمة الشعر رسم الفرح, وإن كان يقود إليه.
– جوهر الشعر يعتمد على الخيال, ويقال: أعذب الشعر أكذبه من هذا المنظور ما مستقبل الشعر المنثور بنظرك؟
إذا كان الشعور هو الحياة اليومية, أو الثقافة بمستواها العادي, فإن اللاشعور هو الثقافة بمستواها الخلاق، وبالتالي اللاشعور هو الطاقة الأسمى للحياة, وهو عالم رغبات وأحلام وصبوات وبالتالي التعبير عنه يستلزم تحرير الكلام من السائد أو اليومي لا بل إن الكشف يغدو هو الهدف الأسمى الذي يتمحور حوله الشعر, وبالتالي لابد من عين مغايرة لعين العقل المنطقي الذي يقرأ الواقع ويستطيع الشعر أن يقرأ أو يكشف أغوار النفس الانسانية، أي يمكن أن يتجه إلى الداخل بدل إن كان يتجه إلى الخارج أي الانتقال من الوصف الأجوف و البيانات اللغوية إلى افتتاح عوالم الكيان الحقيقي للإنسان، وسبر أغوارها وكشف مجاهيلها، وهذا ما يقود إلى الاتفاق مع القول: المعروف (أعذب الشعر أكذبه) لأن هذا الجانب الخفي هو الذي سيغدو ميدان الشعر، أما بالنسبة لقصيدة النثر فإن البت بمستقبلها أمر في غاية الدقة والصعوبة أنها إلا من هذا المنظور لابد أن يكون لها حضورها إن استطاعت التخلص من السائد واليومي وصولاً إلى حالة تجعلها قريبة من الشعر إن لم تكن شعراً, والأمر رهن بمقدرة كتابها على تخليصها من النثر الذي يمكن أن تقوم به أنماط أدبية أخرى وليس الشعر، الأسماء كثيرة إلا أن من استطاع تحقيق هذه المعادلة ليس كبيراً.
– كيف ترى حركة الشعر في الساحل السوري, هل هي في حالة مد أم جزر؟
إن حركة الشعر في الساحل السوري كجزء من المشهد الشعري والعربي ككل تشهد تنامياً لافتاً على مستوى الكم على حساب النوع أو الكيف في أحيان كثيرة، ومرد ذلك غياب التصور الكافي للمشروع الفردي الذي لابد سيندغم في المشروع الجماعي وصولاً إلى حداثة تحقق تقدماً ملموساً بالمستوى الفني للقصيدة لدرجة يمكننا معها القول: إن ثمة تقدماً أو تطوراً قد تم، وفي مطلق الأحوال إن ثمة حركة ما، لكن المأمول هو التميز وليس التكرار والتنوع والتعدد, وليس العدد، فالشعراء في الساحل السوري كثر لكن المتميزين قلة، فلابد إذاً من شعر مختلف وشاعر مختلف يعرف ماذا يريد, ويسعى إلى ما يريد، وهذا يتطلب شاعراً استثنائياً.
– هل يستعصي عليك الشعر أحياناً؟ متى تتم ولادة القصيدة لديك؟
غالباً ما تأتيني القصيدة دون استئذان, تحدد زمانها ومكانها الملائمين, ولا أجد أن من الشاعرية في شيء الابتذال في تعيينهما, إلا أن عنصر الفجاءة في الأمر ليس تامة, فلا شك أن مرحلة من الكمون تطول أو تقصر تسبق ولادة القصيدة، يكون جنين القصيدة فيها قد تشكل إلى حد ما، متمنياً لحظة مواتية لإعلان حياة جديدة, تلعب مهارة الشاعر دورها في إطالة أمدها، وذلك راجع إلى معالجة القصيدة والشغل عليها بعقل ناقد وحس عال إلى أن تغدو بحالة هي أفضل ما يستطيع, وكثيراً ما تكون هذه الولادات مريرة عسيرة تكون القصيدة فيها فرساً حروناً لابد من ترويضها بما فيه الكفاية، وذلك يحتاج إلى الصبر والجهد والأناة والمثابرة، وسرعان ما أنسى العنت الذي كان عندما أدرك أنه كان في محله, وإن استعصاء هذه القصيدة أو تلك لم يكن إلا لأنها تحاول أن تكون استثنائية لاتشبه إلا ذاتها.
رفيدة يونس أحمد