العدد: 9314
18-3-2019
سألني أحدهم قائلاً: هل جربت أن تسترجع ذكرياتك يوماً وإن كان ذلك كيف مرت عليك تلك اللحظات؟ فقلت: عندما أمشي متمهلاً وحيداً تأتيني الذاكرة بما يأخذني إلى أماكن وأزمنة لم تكن بالبال، فأسرح مع الذكريات وأعيش اللحظة، لكن هناك بعض الذكريات أقف عندها مطولاً لشعوري بالذنب من جراء فعل قمت به أو كلمة تلفظت بها، وأخرى بالندم لعدم استغلالي الفرص التي أتيحت لي يوماً والتي مرت بغفلة من الوعي، وأتذكر أيام يأسٍ فصّلت لها أكفان من الوهم خلتها جميلة على قياس الإدراك حينها، وعند انقشاع الضباب بعد حين عن الفكر تبين أني كنت كمسافر لا يعرف وجهة سيره، وعندما أحاول تسوّل ذكرى جميلة لكن الزمن لا يمنّ عليّ بذلك، ويبدو ذلك لي كمن يبحث عن لؤلؤة طبيعية بين أكوام من اللؤلؤ المصنّع، وهذا جعلني كمن يشتري الكلمات لأن ما تختزنه الذاكرة لم يأتِ بنتيجة أو أنه رفض الحضور، أما لو كان الأمر غير الذي أبحث عنه لتدفقت الذكريات كسدّ انهارت حواجزه أو كسرب من الحمام أو كحبل من مناديل ملونة.
رغم إن الذاكرة ككتاب مفتوح لكن أوراقه لم يتم فصلها عن بعضها وما زالت غوراء لم تقرأ.
سألت الفكر: لم الذاكرة شبه معطلة؟
فابتسم وقال: أنت بتّ في حال مختلف بالزمن أتلف منك الكثير.
لكني لم أتقبل ذلك لقناعتي أن السبب هو مضي زمن طويل لم يتم تحريكها فتآكلت وغدت شبه عاجزة.
معلوم إن من يتقدم بالعمر غالباً ما يعيش على ذكرياته، وكل ذكرى لا تسرّه يحاول أن ينساها، قد يكون النسيان أحياناً سيئاً لكنه غالباً مريح.
فذاكرتي تستيقظ باكراً كحقل هبّ عليه نسيم الصباح، فهي كامرأة عربية تحزن حين يجب عليها أن تفرح لأنها لم تعتد السعادة، وتنام حين يجب أن تستيقظ.
حالها كحال الكهرباء في بلدي أو كالأمنيات التي داسها الدهر بحوافره، أين منها زمناً كانت مفتحة كزهرة مائية نضرة ومشعة ومتبرجة حياءً
فقال: يا لها من ذاكرة وذكريات!
نديم طالب ديب