القيمة في العمل..

الوحدة 2-8-2021   

 

نلاحظ جميعنا من خلال المنشورات والتّعليقات في مجتمعات التّواصل الاجتماعيّ، الافتراضيّ والواقعيّ الحجم الهائل من الشّكوى والنّق والنّدب والجّعجعة.

 من حقّنا جميعاً التّعبير عن حالة الحزن والضّيق التي نعيشها بفعل الواقع الاقتصاديّ، المعيشيّ الصّعب والقاسي، وتلمّس الحلول، ولكن هناك أسئلة جوهريّة يجب علينا الوقوف مجرّدين أمامها قبل كلّ اعتبار. 

ما هو دور كلّ شخص فينا للخروج من هذه الأزمة المعيشيّة؟ هل نكتفي بالنّق والنّدب والعويل واللغو العبثيّ؟ هل نكتفي بتخوين الآخر، وتوزيع شهادات الوطنيّة وحسن السّلوك؟ الدّور الأهمّ والحاسم يقع بالتّأكيد على الحكومة، ولكن هناك حتماً دوراً هامّاً يقع على كلّ فرد فينا بلا استثناء.. إنّه فرض عين، لا فرض كفاية، هي وقفة مع الذّات قبل كلّ شيء.. انقد نفسك قبل أن تهاجم الآخرين، ماذا قدّمت أنت للمجتمع والبلد خلال عشر سنوات خلت من عمر الأزمة؟

 هل امتنعت عن مخالفة قانون البلد أو قانون الأخلاق مع عائلتك أو جيرانك أو مجتمعك؟ ماذا قدّمت للأسر المنكوبة ولأرضك المكلومة؟

 هل شاركت في أيّ عمل تطوّعيّ و ما تزال؟ قيّم نفسك أيّها المحلّل الاستراتيجيّ.. أيّها القدّيس المعصوم عن الخطأ قبل أن تكفّر أو تمنح الآخرين صكوك الشّرف والنّزاهة من عدمها.

 اعلم أنّه لا يحقّ لك التفوّه ببنت شفة قبل أن تحاكم نفسك تحت قوس الأخلاق والإنسانيّة قبل الوطنيّة. 

قل لي ماذا قدّمت للمجتمع، وبشكل طوعيّ بعيداً عن النفعيّة، أمّا أن تكون مرتكباً أو مقصراً بامتياز، ثم تأتي للتّلاعب بالعبارات و الشّعارات مهاجماً الآخرين.. ومقيّماً أولي الأمر فهذا هراء مقزّز… لا يحقّ لك أن تحاضر في الشّرف، وهنا الحقّ، الحقّ أقول لكم بأنّني حاكمت و قيّمت نفسي قبل أن أتجرّأ على كتابة هذه الكلمات، حتى أكتسب قبل أيّ شيء الرّضا الموضوعيّ عن نفسي في أن أدوّن ما ذهبت إليه عباراتي. 

الكلام يمكن أن يكون حقّاً مكتسباً لمن يعمل فقط، أو على الأقلّ لمن عمل ولا يستطيع الآن العمل لأمر قاهر، ومن الأفضل للمقصّر بلا سبب أن يخجل ويحاكم نفسه قبل إطلاق النّظّريّات العبقريّة ومهاجمة الآخرين، (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) عندما يمنحك رصيدك من العمل الصّالح، الإنسانيّ الحقّ في النّقد والنّقاش والتّقييم لا تنس – فضلاً لا أمراً- أن تواظب على فعل الخير، لن يخرجنا من ضيقنا سوى ثقافة التّطوّع والعمل الصّالح، خالصاً مخلصاً من أيّ مآرب شخصيّة متوارية.. الخلاص في التّطوّع والعمل الصّالح للأهل والمجتمع والوطن. اعمل قبل أن تحاسب الآخرين، فتّش عن صفاء نيّتك قبل أن تحاسب نوايا الآخرين. من قبل ومن بعد لا تُبنى الحياة كما المجتمعات إلا بهمّة الصّادقين والشّرفاء.

قامت الشّعوب من الكوارث بالعمل الصّادق النّابع من نقاء السّرائر والنّوايا خارج حسابات الأنا، وأختم مقالي هذا بالعبرة من قصّة نبيّ الله نوح عليه السّلام عندما لبث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاماً يدعوهم إلى الإيمان والمحبّة والعمل الصّالح، ولمّا أفلس منهم تبتّل عنهم إلى العمل بصمت لبناء سفينة نجاة وخلاص. هي دعوة للعمل بصمت وصدق، وتحمّل المسؤوليّة الأخلاقيّة والإنسانيّة قبل أيّ اعتبار آخر، العودة إلى بهاء السّجيّة والمروءة،  قل لي ماذا قدّمت أقل لك من أنت.

نور محمد حاتم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار