الوحدة 27-7-2021
هنالك ثمة تركيز في عدد من النظم التربوية على بعض العمليات المعرفية القائمة على التلقي السلبي والتلقين الببغائي وذلك على حساب تعليم الفكر الإبداعي الذي يتعامل مع المضامين المعرفية بوعي تام وانتقاد وابتكار، ولإصلاح هذا الاختلال يتوجب الاهتمام بالعملية الإبداعية وشحذ كل الهمم وشتى القدرات المجملة المؤهلة لها، ومن المعلوم بأن هناك برامج عديدة لتنمية الإبداع وتلك البرامج تنبع من مجموعة مبادئ يتوجب الاستناد عليها باعتبارها أساليب سلوكية تدخل في صُلب نسيج العادات التربوية وفي واقع الحال فإن هذه المبادئ مستمدة من عديد من المصادر الغنية والدسمة والمتنوعة فبعضها دراسات علمية وبعضها خبرات عملية وتطبيقية لعديد من الباحثين وبالتالي فإن قابلية تطبيقها وإمكان دمجها في قلب نسيج العملية التعليمية في إطار ما يتم تقديمه من دروس هي أمور لن تكون موضع خلاف فيما بين الجميع.
انطلاقاً من مهمة تنمية الفكر المُبدع فلا بد من عرض بعض المبادئ والأساليب الضرورية بإلحاح حول كيفية تقدير صور إنجاز المبدع حق قدرها وتتلخص فيما يلي:
– وجوب التعلم والتعليم: ويحول دون ذلك عائقان يتمثل الأول في مدى القدرة على تمييز ما يُعتبر إنتاجاً مبدعاً أو فكراً مبتكراً من قبل المرء، ويكون هذا الأمر أكثر صعوبة حين يتعلق بصور غير محبذة من الإنتاج المبدع أو الأفكار الخلاقة، وأما العائق الثاني فهو الميل إلى الإعلاء من قيمة الناتج المكتمل والجاهز حتى مع احتمال كونه تقليدياً وليس جديداً وأيضاً الاستهانة بالنواتج المُبدعة سواء كانت أفكاراً أو أشياء والتي لم تتهيأ لها فرص الاكتمال وعليه فإن التنبه إلى تلك العوائق التي تحول دون التقدير الواجب لصور التفكير المبدع من شأنه أن يجعل من تحقيق هذا المبدأ أمراً ميسوراً.
– تنظيم اختبار الفكرة: فمن خلال ذلك يمكن امتحان الواقع وتمحيصه بدقة والحصول على صورة حية وحقيقية للعالم المحيط وتجنب التسليم السهل بالأفكار والتفسيرات الخاطئة حوله.
– احترام الجديد: ويتجلى ذلك من خلال إرساء أُسس يُعتمد عليها في تأصيل القدرة على التحمل والصبر على الأفكار المبدعة وغير المألوفة وليس ذلك فحسب بل أيضاً احتضان واستيعاب الشخصيات المُبدعة بحكم ما لديها من طباع وخصال.
– الحذر من التفكير النمطي والحلول الجاهزة: حيث أنه ينبغي المعرفة بأن هناك أكثر من طريقة لعمل أي شيء أو التفكير به بدءاً من رسم خطوط موضوع ما إلى إعداد وصف مفصل عن ظاهرة التفاعل الكيميائي بين مادتين مثلاً، مع ملازمة كل ذلك لتوفر جو آمن من النقد المُتسم بقدر معقول من الحرية وقيم التسامح.
– إيجاد مناخ يتناغم والتفكير الإبداعي: ولعل أهم مواصفات هذا المناخ تتمثل في تغييب عنصر الخوف والاضطراب بأي صورة ومن أي مصدر، وكذلك إتاحة فرص الاختيار الحر للوسائط والمصادر التي تُساعد على تحقيق الأهداف التي تُنمي مشاعر الاستمتاع بخبرة الإنجاز المُبدع وحرية استخدام الخيال الخلاق.
– تقدير الأفكار الخلاقة: فقد لُوحظ أن هناك العديد من المخترعين تبين أنه كانت لديهم عادة تسجيل الأفكار أولاً وبعدها يتم العكوف على تقييمها ويليها اختبارها بشكل تدريجي وهذا ما يُؤكد بأن الكثير من الأفكار الإبداعية في تاريخ الحضارة بدت في أول أمرها شطحات خيال جامح وصوراً من الوهم المُبالغ فيه.
– توفير معلومات التفكير الإبداعي: وذلك لما تتسم به العملية الإبداعية من طبيعة خاصة وما تتميز به أيضاً من أطوار ومراحل تتفاوت فيما تقتضيه من زمن مُصاحب لظروف الإبداع ذاتها.
– تبديد الرهبة من الإبداعات: حيث يمكن تبديد هذا الإحساس بالرهبة من خلال التأكيد على امتلاك الجميع لرصيد مميز من القدرات الإبداعية التي يمكن توظيفها في المجال الملائم لكل أشكال الاتجاهات المهنية أو الفكرية أو العملية أو غيرها، إضافة للإشارة إلى أنه ما تزال هناك إنجازات إبداعية متعددة و متنوعة تنتظر من يتصدى لها ببراعة من بين أفراد المجتمع.
– تجنب ضغوط الأقران: ويتبلور ذلك من خلال تعليم الفرد على المحافظة على اعتداد المرء بنفسه دون أن يكون عدوانياً وأن يصون حقه في أن يُفكر وأن يحرص على أن يكون اجتماعياً وودوداً مع الآخرين دون رفع الكلفة وأن يعرف قدر نفسه فيكون متواضعاً دون خضوع وأن يكون صادقاً وأميناً في علاقاته إضافة إلى وجوب تعلمه أن يكون واسع الأفق في غير سطحية وعميق المعرفة دون أن يكون عابداً للنصوص حرفياً وأيضاً حاسماً في حكمه دون أن يبدو متسلطاً.
بعد استعراض هذا القدر من الشرح الموجز عن أهم المبادئ المُساعدة لتنمية الفكر المُبدع يبقى فقط استعراض سريع لبعض التوصيات اللازمة للسير قُدماً على طريق الإبداع وأهمها:
– تشجيع مبادرات التعلم الذاتي وتقدير المبادرات الخاصة لأداء عمل ما دون تكليف مسبق.
– شحذ القدرات لاستشفاف المشكلات واكتشاف أوجه النقص ومكامن الخلل في الأشياء والنظم.
– انتهاز كل الفرص الممكنة والمناسبات المتاحة لتأكيد الحاجة إلى الإبداع في النفوس واختلاق صور التحدي العقلي التي تقتضي ممارسة القدرة على التفكير المبدع والخلاق.
– توفير كل المصادر الممكنة وتسخير كل الإمكانات المتاحة مجتمعياً لتيسير طريق الأداء العقلي المبدع، مع التأكيد الجاد حقيقة على تنمية القدرة على النقد البناء وليس مجرد النقد فقط، وفي واقع الأمر وبعد كل ما تم ذكره يبقى ذلك حديثاً لا طائل منه إذا غاب عنصر مهم في مواقف تنمية الإبداع وهو الاتجاه الإيجابي في سلوك المجتمع نحو الإبداع أي تقبله بكل صوره ومجالاته والتسليم الكامل بشتى متطلباته وعلى رأسها حرية الفكر والرأي والتعبير دون خوف ورهبة أو تهديد ووعيد.
د. بشار عيسى