توستنا وخبزنا وليالي العبث الظالمة

الوحدة : 21-7-2021

يبدو أننا ماضون إلى التوست، والتوست هذا عبارة عن أبجدية السفرات الأجنبية الواسعة بأنواعها وأشكالها، لكن بغض النظر عن ماهية هذه المادة وإمكاناتها التعبوية الغذائية بالنسبة لذلك الغربي وجسمه النحيل الذي قد يستوعب قطعة واحدة أكبر من الكبريتة بقليل لأن وعاءه الداخلي (المعدة) قد تعوّد على هذه الكمية، لذلك من الصعب وضع مقارنة أو تشبيه مع عامل الباطون الذي يعيش بين أدغال العمل المضني في مجتمعنا، حيث هذا الصراع يستمر لساعات النهار المتواصلة بفواصل قصيرة يجري خلالها تعويم معدته بجزء كبير من ربطة الخبز التي تُعد الوقود الرئيسي لتحريك ذلك البدن الضخم من أجل المثابرة واستمرار العراك مع أدواته ذات الأوزان المختلفة التي تصل إلى ٥٠ كغ في بعض الحالات ومنها كيس إسمنت أو تنكة باطون أو عدّة بلوكات والصُعود بها لعدة طوابق.. وبالعودة إلى ما تكتنز سفرة صاحب التوست من أصناف متعدّدة، مدروسة القيمة الغذائية بكل أبعادها فهي عبارة عن عدة أنواع من الجبن وكذلك اللحوم والمعلّبات وأصناف خيالية من المربيات الطازجة والعسل، وبالتالي هو قد اكتسب الغذاء الكامل من الوحدات الحرورية التي تحتويها هذه التشكيلة الواسعة، وبذلك يصبح ذي قدرة كبيرة على ممارسة عمله المُضني خلف مكتبه أو خلف مقود سيارته الذي يُعد من الأعمال المجهدة هناك، أما العامل عندنا فتلك الأرغفة المتعدّدة التي يقوم بطحنها مع صحن من الّلبنة والزيت والبندورة، أو قرص من الشنكليش الذي يُعد بلا قيمة غذائية على الإطلاق، هذا كيف سيكسب تحصيله الغذائي بتلك الأصناف الفقيرة والمثابرة على تقديم الأفضل من أجل المحافظة على صحّته ليحصّل معيشة أبنائه الصغار والكبار والأهل الباقين، وهنا زبدة الكلام، فقد تمت عملية تجويع ذلك العامل بنجاح تام وإخضاعه عنوة إلى مشيئة الله، بعد أن تمت تصفية آخر وجبة طعام متأخرة (عشاء) وهي الأهم عنده لأنه سيتناولها بكل أريحية، والإبقاء على تلقينه درساً غذائياً مجاناً خلال ذلك النهار القاسي، وهنا يتوقّف كل حديث عن هذه البدعة (الرغيفية) التي أتت في غير موعدها لا بالوقت ولا بالظرف أو المكان، وللتذكير فقط أطفال مجتمعنا عندما يهمون بالمشي بعمرٍ أقل من السنة يلهونهم ذويهم بقطعة من الخبز لترافق حليب الأم في ديمومة الحياة، ولهذا فإن طعم الخبز من أولويات نشأتنا وتكوين أبداننا.

ومن خلال ما تقدّم لا بد من التنويه إلى أن المجتمع الغربي هو غالباً بالمقدّمة خاصة في مجال الألعاب الرياضية والبدنية فهم يتناولون غذاءهم بما يرضي أجسادهم وعضلات سواعدهم وأقدامهم، وقد بدأت دول الخليج المجاور تأخذ نفس المنحى وبجودة أكثر بسبب الوفرة بتأمين الغذاء الصحي والفعّال لذلك العداء أوالملاكم الشرس، وقد كان للمحترفين من أصقاعنا تجارب كثيرة أثمروا شهرة وتقلّدوا منصات تتويج سواء في الغرب الأجنبي أو الخليجي بسبب ممارستهم لتلك السفرات الغنية، أما نحن فلا زلنا نقارع جبابرة العالم بهذا الرغيف الذي تم سحبه من أيدينا ولم نعد نجد لا سفرات عامرة ولا حتى توستنا المفضّل وأرغفته العملاقة الحديدية، فأي يدٍ عبثية طالت أحلامنا الأخيرة، وأي فانوس ونمرود قد يعيدنا من هذه المنامات والكوابيس الموحشة، نحن الآن ننتظر سندباد فقد يأتي بتلك القافلة ومعه علي بابا والأربعون حرامي مكبلين.

سليمان حسين

تصفح المزيد..
آخر الأخبار