(خبّي قرشك الأبيض ليومك الأسود)

الوحدة : 2-7-2021

هو أكبر مثال لهذه الأيام العصيبة التي يعيشها الجميع, حيث القلة في أسباب العيش لكف اليد عما في الجيب, ولا نزال نقول بكل قوة وجبروت (حطي براسك يا دني منك قدي) والفارس فينا يصول ويجول في أسواق المعيشة وأهوال الأسعار, ليستر الحال ولا يسمع به الجار.

كانت الأمور بخير قبل الحرب وكنا نعتق نبيذ أيامنا بكل حلاوتها, هو ما تقوله السيدة لمى فاضل، مهندسة، وتتابع: وكان لنا أن ندخر ونوفر ونشتري الذهب والفضة, ولم نكن نعلم ماذا تخبئ لنا، لكن حسبناها بشكل صحيح لنفوز بامتحان هذه الأيام الصعبة, فمن راتبي وراتب زوجي اشتريت المسكن بمليون ليرة في المدينة وقطعة أرض في قريتي عين البيضا بنصف مليون فقط واليوم تساوي أكثر من أربعين مليون ليرة, ولن أبيعها فهي لغدر الأيام وعندما يكبر الأولاد تبقى لهم أو أبيعها لأجل مستقبلهم في الدراسة والزواج, مع أنه ليس في المعيشة سهولة هذه الأيام, صحيح أن لدينا بعض الأرزاق لكن ليس في اليد سيولة ومال, والراتب يزهق بأول يوم يقبض عليه, نتحايل عليه ونقتر في لوازمنا ولا تكفينا رواتبنا وما نجنيه من الأرض لنزرع الخضار ونأكل منها,  لنتحسر على تلك الأيام ونقول رحم الله أيام زمان حيث كنا نعيش بنعيم من راتب يفيض ويزيد.

(ليلى يا ابني إن جارت الأيام بتعيش معك ع الخبزة) وهو ما أكد عليه السيد فيصل علي، موظف ويقول: زوجتي المرضية هي من تتوكل بمهام البيت وتتكفل مصروفاته, وأظنها تنجينا من مغبات هذه الأيام فهي بالإدارة ممتازة ويمكن أن نعطيها أنا والأولاد شهادة دكتوراه, فيدها مكفوفة عن كل تبذير ولا تشتري غير ما يلزم البيت, ولا أعلم كيف تستطيع حسابها ولا أسألها أو أوجع رأسي عندما يدور في خلدي سؤال كيف يكفيها راتبي وتتدبر الأمر؟ ولا أسمع من زملائي في العمل والجيران والأقارب أن الديون ركبتهم وأبقى ساكتاً, وأنظر من حولي زوجتي تبلع السكين على الحدين وتسكت, وإن حاولت الإفصاح أو الاستبيان تدور المسكينة  دولاب الحديث على شيء جميل, فأرى الأولاد بخير وغير متطلبين والبيت جميلاً وزوجتي تعمل في حديقة البيت صباح مساء وتنشد وتقول (الحمد لله يا رجل)

 ست البيت هي التي تستطيع أن تتدبر الأمر, كما تقول أم مدين وتتابع بقولها، رجلها لم يكن يوماً يسأل ما صرفت وإن اكتفت, فكانت تخبئ بعض المال في المخدة واللحاف كما دلتها والدتها وحفظتها (خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود) فكنت أشتري بعض الذهب مما أوفره كل مدة وعام فقط للزينة, وما حسبت أنها ستكون خزينتي لستر حال هذه الأيام القاحلة, لكنها سرعان ما نفذت بالبيع والشراء بسبب غلاء الأسعار فيكون القحط في كل المطالب والاحتياجات, وأعمل (حوصة) في البيت وجرد كل يوم لأشتري فقط الضروري منها والضروري جداً, ولا سيما للأكل وحفظ ماء الوجه أمام الجيران وسد رمق حاجات الأولاد, والحمد لله إلى اليوم مستورة.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار