الوحدة 22-6-2021
عند ولادة الطفل تكون ذاته غير مُكونة، ولكنها تبدأ في التكون بصورة تدريجية نتيجة للتفاعل مع محيطها، وكذلك ذوات الآخرين، ويُعد هذا سلوكاً مكتسباً يتكون قبل مرحلة البلوغ، كما وتلعب فيه البيئة المحيطة دوراً هاماً وحيوياً فاعلاً، ومن شبه المعلوم بأن الذات منظمة تنظيماً تصاعدياً، وهي مؤلفة من عدة منازل يجري اكتسابها في سياق النمو والتجربة والمحيط، والمنزلة الأولى هي الأكثر أهمية، إذ أنه عليها يرتكز إطار الشخصية الأساسي، وتُمثل الأم فيها دوراً حاسماً من حيث أثرها في تكوين شخصية الطفل، وأما الأصعدة الأخرى، والتي تشمل التعلم في الطفولة والمراهقة، والإدراك والوعي في سن البلوغ، فهي ذات أهمية، وتُشكل طرق تربية الطفل عاملاً مهماً في تعيين نوعية الشخصية ونمط إطارها من حيث تقبلها لمحيطها وارتباطها بمجتمع معين ودلالتها عليه، ولذا فإن فهم طرق تربية الطفل يُؤدي إلى فهم السلوك ودافعه، ويُبعد الصدام والتعنيف مع الطفل.
تُعتبر المواقف والتصرفات التي يتخذها الآباء ضمن العائلة الواحدة مؤثرة تأثيراً مباشراً في نمو الشخصية، وذلك لأنها ترتبط بحاجات الطفل الأساسية وتأمين استمراره بالوجود وتمتعه بالاطمئنان العاطفي والفيزيولوجي من جهة، وتجهيزه وتحضيره للانخراط والاندماج في محيطه من جهة أخرى، وغالباً ما يأخذ هذا التصرف والسلوك شكل قولبة له ومحاولة لصهره كلياً في البيئة والمحيط الموجود فيه في مرحلة يكون فيها الطفل ذا حساسية عالية لشروط البيئة وسائر العوامل المؤثرة فيه، فتنتج عن ذلك ردات فعل قد تكون سلبية أحياناً، وقد تقود إلى التعنيف أحياناً أخرى، ولا يخفى للمتابع بأن العلاقة مع الأطفال تحكمها عوامل عديدة ومختلفة، كما أن التجارب التي يعيشها الطفل خلال سنوات عمره الأولى تُقرر تركيب شخصيته مدى الحياة، وعليه فإن عملية تربية الطفل وتثقيفه خلال هذه السنوات تكون حاسمة بالنسبة للفرد، وبالتالي للمجتمع، وتجدر الإشارة إلى أن هذه العملية لا تخلو من الصدام والتعنيف بين الأطفال وذويهم، ولعل هذا التعنيف ناتج عن حقيقة أن لكل منهم برنامجاً مختلفاً عن الآخر، فالطفل يريد اكتشاف محيطه الجديد والبحث عن سُبل التمتع بحياته باللهو واللعب، وأما ذووه فيريدون أن يستكين الطفل ويضبط نفسه ويهدأ بأية وسيلة كانت حتى لو اضطرهم ذلك إلى الصراخ والتعنيف في بعض الأحيان.
تبدأ مشاكل الأطفال عند دفعهم بسبب حب الفضول للتعرض لأي شيء يصل إليهم وهذا ما يُثير الوالدين ويدفعهم لتعنيف الطفل ولومه، وإذا استمر هذا الأسلوب مع تقدم العمر فإن له عواقب خطيرة على الطفل عُموماً من حيث فقد الإحساس بالأمان والاستقرار، فتكتسب شخصيته الأنانية والعناد، وتغلب عليه أعراض التوتر والقلق، ويميل إلى حالة الانطواء والعزلة، مما يُؤثر سلباً في نُموه العقلي والنفسي، وتظهر عليه اضطرابات الشخصية في مراحل عمره التالية، ولعل اكتشاف المحيط والتعايش معه يُساعد الطفل كثيراً في تأمين حاجاته، ومن هنا فعلى الآباء عدم ادخار أي جهد في سبيل تدريب الأطفال على حُسن التعايش مع الوسط المحيط لجعل الحياة سهلة ومريحة، آخذين بعين الاعتبار أولاً: تأمين شروط السلامة من حيث إبعاد جميع مصادر الخطر عن طريقهم وثانياً: إعطاء الطفل ما يشغله ويجعله بعيداً عن حالة الضجر التي تُولد سلوكاً مشاغباً لا يُحمد عقباه.
د. بشار عيسى