الوحدة 15-6-2021
في الطريق الساحر إلى الشيخ بدر في محافظة طرطوس, وأنت تستمتع بمناظر الطبيعة الخلابة، تصدمك فجأة روائح قاتلة، تنتشر من موقع خصص كمكب للقمامة!
تنظر، فترى أكياساً من النايلون الأسود, ومخلفات متنوعة رماها الإنسان, وجمعتها الجهات المختصة، لتتخلص منها في مكان نقي بعيداً عن المدينة, والناس!
تحاول العبور سريعاً دون الالتفات، محاولاً سد أنفك قدر المستطاع ريثما تبتعد عن المكان، فالسيارة التي تقلنا تواجه صعوبة من ارتفاع شديد للطريق أو من فشل ميكانيكي، المهم أننا ابتعدنا دون خسائر تذكر..
وأنا طفلة، أذكر جيداً كيف كانت أمي تخيط أكياساً من قماش ملابسنا البالية, وتصنع منها حقائب قماشية بجيوب, وحوامل..
تأخذ الحقيبة حين تذهب إلى السوق, وتعود وقد ملأتها خضاراً وفاكهة.. مؤونة يوم واحد لأسرتنا.. وتعيد الكرة مرات متتالية, وحين تتسخ الحقيبة تغسلها كقطعة لباس.. ولا ترميها حتى تهترئ لتستخدم غيرها..
اليوم، في البلدان المتحضرة الغنية لا تستخدم أكياس النايلون، ومن يريد استخدامها يشتريها، وترى الناس يستخدمون محفظة من قماش مثل محفظة أمي، بهدف واضح وهو الحفاظ على البيئة من التلوث, وقد عرفنا أن النايلون مادة صعبة التحلل, وملوثة للبيئة.
عندنا اليوم، يخبرك البائع بغضب, وهو يضع ما اشتريته منه في كيس النايلون الأسود أن ثمن الأكياس ارتفع, ويندب حظه, وفي قرارة نفسه يعلم أنه أخذ منك ثمنه مع قيمة ما اشتريت..
في طفولتي، كانت حرفة صناعة الأكياس الورقية موجودة، أكياس صديقة للبيئة، فالورق حنون, ولطيف, ولا يترك أثراً حين يفنى.
أذكر رجلا مبدعاً، كانت صنعته, ومصدر رزقه هذه المهنة، فقد أقام ورشة عمله على الرصيف أمام بيته, وحيث نمر, ونتفرج دون أن يتأفف, أو ينزعج، بل كان الصديق لكل مار به..
لا أنسى مهارته وإتقانه في صنع الأكياس (مثل أمي) مع فارق المواد والدقة في صناعة القياسات الصغيرة, والكبيرة, والإتقان في الصنع، والأهم أنه يعمل بمفرده دون مساعد, وطوال النهار, ويقصده الباعة, والتجار لشراء ما يحتاجون من أكياس ويمضون.. وعند المغيب يجمع عدته, ويدخل بيته بعد أن يفرغ الرصيف, وينظفه..
في الطريق إلى الشيخ بدر، وبعد عبور المكان العابق بروائح المكب النتنة.. وأنت تحاول العبور سريعاً دون الالتفات، ترى صفوفاً من الأشجار الخضراء الكثيفة الجميلة الساحرة المعمرة كغابات..
يحكي أحد الرجال في المنطقة, وقد أبدينا إعجابنا بها، عن تضافر جهود منظمة شبيبة الثورة بشبانها, وشبابها الذين زرعوا هذه الأشجار من خلال معسكراتهم الشبيبية منذ سنين خلت..
ويؤكد بفرح أنه كان أحد المشاركين بالمعسكر, ومن الذين زرعوا, وقد كان شاباً.. وهو اليوم العجوز الذي يفتخر بما قدمه, ورفاقه.
سعاد سليمان