مساحةُ خصوصية ..

الوحدة : 8-5-2021

نحنُ من أكثرِ الشعوبِ تشدقاً بمفهومِ الخصوصيةِ، ومن أكثرها تدخلاً في شؤونِ الآخرين.

حياتنا وتصرفاتنا وماذا فعلنا، وماذا قلنا، تشكلُ مادةً خصبةً لأحاديثِ الناسِ، ويا ليتَ الأمرَ ينتهي إلى دردشةٍ عادية، بل نتجاوزها إلى غيبةٍ ونميمةٍ، وتقييمٍ سطحي.

وفي المقابل تعدُ (الخصوصيةُ) واحترامُ الحرياتِ الشخصيةِ، حقاً بديهياً في أغلبِ المجتمعاتِ الغربيةِ، وإن كنا لسنا معَ الحريةِ الزائدةِ كما اعتادت تلكَ المجتمعاتُ بحكم كينونةِ مجتمعاتنا، لكن بمجتمعاتهم لا يخضعُ الفردُ للمراقبةِ والمتابعةِ والتلصصِ، ولا يتدخلُ أحدٌ في شؤونهِ مادامَ لا يؤذي غيرهَ، أصبحَ عدمُ التدخلِ منَ المظاهرِ التي تُثيرُ استغرابنا حينَ  نسافرُ إلى الخارجِ.

الغريبُ أننا أكثرُ أمةٍ تملكُ أحاديثَ ومقولاتٍ ودينٍ يحثُ على عدمِ التدخلِ بالغيرِ، ولا يعرفُ معظمنا أنَ ذلكَ من الحقوقِ الفرديةِ التي كفلتها الشرائعُ، لا يعلمُ معظمنا أنَ الأديانَ تمنعنا من الحكمِ على الناسِ، والتدخلِ في نواياهم ومعتقداتهم، لأنَ الحكمَ على البشرِ ليسَ من شأنِ البشرِ أصلاً.

طرائقُ التدخلِ كثيرةٌ، أشهرها الأسئلةُ الخاصةُ، كأن يتساءلونَ: لماذا لم تتزوج؟ ولماذا طالت خطبةُ فلانٍ؟ غريبٌ أنَ فلانة لم تنجب بعد؟ لماذا لم يتخرج ابنكَ منَ الجامعةِ؟ لماذا اخترتَ تلك الوظيفةُ ؟ لماذا تزوجَ فلانٌ بفلانة؟

فلنترك الفضولَ وندع الناسَ وشأنهم، لكلِ  إنسانٍ ظروفهُ وأسرارهُ، ولو كانت شؤونُ دنياهم بأيديهم، لاختاروا لأنفسهم أجملها وأكملها، دونَ الحاجةِ لتذكيرهم بما ينقصهم، فعدم اختراقِ خصوصياتِ الناسِ من الأدبياتِ، حيثُ يفتقدُ الشخصُ المتطفلُ القدرةَ على وضعِ أهدافٍ شخصيةٍ إيجابيةٍ بناءةٍ لهُ، فيسقطها على الآخرين، وتجدهم متخبطينَ في دروبِ الحياةِ، وأكثرهم فشلاً في حياتهم العامةِ والخاصةِ، ونرجسيتهم تجعلهم يعتقدونَ بأنهم أوصياء على خلقِ الله.

تيماء عزيز نصار

تصفح المزيد..
آخر الأخبار