الوحدة: 24-3-2021
قرية الميدان في ريف اللاذقية الشمالي جارة السماء نديمة الغمام فلو أراد زائر ما زيارتها ما عليه إلا أن يجتاز طريقه صعوداً بين الجبال فأقرب طريق جبلي يبعد مسافة حوالي ٤كيلو متر عن طريق عام اللاذقية كسب طريق معبد يحتاج لبعض الصيانة في بعض البقع ولكن صالح لعبور المركبات والسيارات هذا إن وجدت فبعد أن امتدت يد الإرهاب لتلك المنطقة وأزمة المواصلات الحالية باتت وسائل النقل معدومة إلا من امتلك سيارته الخاصة وهذا ما دفع بأحد الأشخاص الذي كان يزور أقاربه استوقفنا ونحن في طريق الصعود للقرية للقول هذه القرية نسيها الزمن ومع ذلك فهي قرية جميلة ولكن تحتاج مزيداً من الاهتمام .في البداية صادفنا السيدة خديجة خضور من أهالي القرية التي أوضحت أنهم تعرضوا للتهجير من المجموعات الإرهابية وتعرضت بيوتهم للدمار ولكن جمعية دير مار يعقوب تكفلت بإصلاح البيوت من تركيب نوافذ وأبواب ودهان وخزانات للمياه وخلاطات ومغاسل وغيرها كثير حتى أصبحت صالحة للسكن ولكن في هذا الجزء من القرية نشرب من نبع ماء والذي يجف أحيانا في الصيف فنضطر لشراء صهاريج ماء ويتراوح سعره بين ١٨-٢٠ ألفاً ولا نقدر على زراعة أي نوع من المزروعات كما لا توجد تمديدات صرف صحي.
وكما التقينا العم أحمد سلوم الذي تجاوز عمره الثمانين بخمسة أعوام اتكئ على صخرة مستنداً على عصاه الخشبية رفيقته الدائمة بيده سكين صغيرة يحفر عوداً من خشب الجوز ليصنع منها مشرباً للسيكارة يستخدمه المدخنون لافتاً أنه يقوم بذلك بغرض التسلية وقديماً كان يقوم بصنع ما سماه الصمد (المحراث القديم) من الخشب كان يستخدم قديماً في حراثة الحقول حيث لم يكن هناك ما يحرثون به الأرض سوى ذلك وقريباً من العم أحمد يجلس زهير فحام على كرسيه المتحرك والذي حصل عليه من قبل جمعية غاب عن ذهنه اسمها وهو مصاب بشلل نصفي نتيجة حادث منذ٢٠٠١ يتدبر أموره من راتبه التقاعدي ومما يزرع أولاده من خضار بينما سومر إبراهيم مصاب حرب خلال العمليات الإرهابية في ريف اللاذقية الشمالي، ربيعة يذكر أن إصابته عصبية برجله وكتفه وهو أدى لحصوله على نسبة عجز ٣٥% لديه ولد بالصف السابع وبنت رابع سألناه عن التعليم في المدرسة ذكر أنه جيد ولكن وضع المدرسة سيئ وليست مخدمة جيداً وهي مستأجرة و ابتدائية فقط ،نرسل أولادنا لمدرسة زغرين الإعدادية والثانوية حيث نستأجر سرفيساً وكل ذلك يثقل كاهلنا ويسبب أعباء إضافية ولكن ما الحل….
تابعنا المسير لنلتقي بالسيد مازن زينب مربي نحل والذي باح بما يعتمل داخله قائلاً: منذ عشرين سنة أعمل بتربية النحل كوننا نعيش في منطقة جبلية و زراعية لذا نعمل أعمالا تناسب بيئتنا فاخترت العمل بتربية النحل كون النحلة حشرة مباركة تقوم بتلقيح الأزهار وتعطي العسل الذي يدر علينا مردوداً جيداً نحسن به مستوى معيشتنا ووضعنا الاقتصادي ولكن دوام الحال من المحال ،فمنذ سنوات تعرضنا للإرهاب والتهجير فقمنا بنقل الخلايا وتكبدنا كثيراً من المشاق وأتى الحريق الأخير وتعرضنا لكثير من الأضرار تمثلت بحرق المراعي وهجر النحل ولم يبقَ مرعى له كما احترق كثير منه لأنه كان في المراعي أثناء الحريق يتابع لدي ٥٠ خلية احترقت منها ٣٠ خلية ولم يتم تعويضنا حتى الآن ولو بخلية فاضية، فإطار النحل سعره اليوم٣٥ ألف ليرة سورية والخلية الفارغة ٥٠ ألفاً، أعمل في النحل منذ سنوات ولا أعرف عمل أي شيء آخر وليست لدي الإمكانية لأغير مجال عملي الذي صار عندي خبرة واسعة فيه لكن القدرة مادية لا تسمح ولم يتم تعويضنا كنحالين مضيفاً لماذا تم تهميشهم لماذا لا يصل صوتهم لأحد نريد دعما لنكون قادرين على البدء من جديد وتطرق لوضع المدرسة التي وقع عقد آجارها مع مديرية التربية مقابل مبلغ زهيد ١٤ ألف ليرة سورية سنوياً مع الماء والكهرباء يشكو بأنه تقدم برفع دعوى ولكن مازال الوضع معلقاً ما يقارب الخمس سنوات وحتى في فترة التهجير لم يدفعوا الآجار بحجة أنها كانت مغلقة وتم طرح مشكلة المدرسة ولكن لا أحد يسمع.
طلبنا من مختار القرية السيد نادر فحام أن يقدم لنا لمحة عن الواقع الخدمي في تلك القرية الوادعة بأناسها الطيبين… يستهل حديثه فيقول: إنهم في عام ٢٠١٦ وبعد تهجير دام أربع سنين عدنا لقريتنا وصدمنا عندما شاهدنا بيوتنا مفتوحة للخواء بلانوافذ ولا أبواب ،مخربة من الداخل ولا يوجد ولا قطعة أثاث أو أي شيء ينذر بأنها كانت مسكونة في يوم ما لافتاً أنهم وبدعم وجهود من جمعية دير مار يعقوب تم ترميم بعض المنازل بان كستها وأهلتها بكافة الخدمات وإضافة لذلك قدمت الجمعية منح زراعية كالمواشي والنحل وآلة زراعية (ركاشة) يتناوب على استخدامها أهل القرية ناهيك عن أنها قامت بفتح محلين في عدد من الضيع البعيدة والنائية وبفضلها بات لدينا محل حدادة بالمنطقة. يستفيض بحديثه بأنه في حريق ٢٠١٣ تم تسجيل أضرار ولم يتم تعويضنا بأي شيء مشيراً كلما راجعوا الجهات المعنية يقال لهم الملف موجود .ولكن ما الفائدة إن لم يتم تعويضنا بشيء حتى تتوفر لدينا الإمكانات لنتابع حياتنا الطبيعية نحن نريد فقط الحد الأدنى لنكون قادرين على العيش فقط وخاصة في مثل هذه الظروف الصعبة.. يستمر متابعاً بنشيج الشكوى ليقول: قريتنا وغيرها كثير في المنطقة تعتبر زراعية بامتياز وهو مصدر الدخل الوحيد لدينا حيث أنها منطقة نائية وبعيدة عن أي سبيل من سبل النشاط .. قرية الميدان تشتهر بزراعة الخضروات والخيار والباذنجان والفليفلة وكنا نرفد إنتاج محافظة اللاذقية بحوالي ثلاثة أطنان يومياً من هذه الخضار وناتجة لظروف الغلاء وارتفاع الأسعار تضاءلت لدينا المساحات المزروعة وخف إنتاجها مشيراً بأن ظرف بذار الخيار وصل سعره إلى ٨٥ آلاف ليرة سورية وكيلو الدواء (آلييت) ١٨٥ ألف ليرة سورية وحديث الأسمدة لوحده حكاية إن وجد فهو بأغلى الأسعار إذ تجاوز سعر الأسمدة المركبة /٢٠ كيلو/ إلى ٧٠ ألف ليرة سورية ويضيف والحال هكذا ومن دون تقديم أي دعم سيستمر وضعنا بالتراجع . وعما يتوفر من خدمات أخرى ذكر أنه يوجد في القرية آبار ارتوازية غزارتها جيدة طيلة العام مع وجود شبكة مياه مما يعني أن المياه متوفرة بالعموم مع قلتها في حارة تبعد قليلاً عن القرية وتشكو أيضاً من عدم وجود صرف صحي وعزا السبب إلى عدم وجود مكان مناسب لمصبّ نظامي لقرب المكان من مجرى نهر يغذي سد بللورة، وهو أمر غير مسموح به بينما القسم الآخر من القرية تم التبرع من قبل الأهالي بقطعة أرض لهذه الغاية وبالنسبة لخدمات الهاتف فهي متوفرة دون إشكاليات وفيما يخص وسائل النقل، فالوضع حرج للغاية يحتاج الفرد لاستئجار سيارة حتى يتمكن من الوصول وتتفاقم المشكلة سوءاً مع أزمة البنزين والمازوت فمن يريد التنقل يستعين بالدراجة النارية لإيصاله لأقرب نقطة عند مفرق بللورة على طريق عام كسب اللاذقية وتبعد ٤- ٥كم وأما الخبز فيتم تأمينه عبر معتمد قسطل المعاف ويتم توزيعه بالتناوب بين عدة قرى تتبع المعتمد مما يؤدي بالنتيجة أن تكون مستحقات الاسرة مخفضة وأقرب فرن إما في زغرين أو خربة الجوزية.
وللمدرسة قصتها وهي حلقة تعليم أولى فقط، فالمعلمات والطلاب هم معاً في بوتقة المعاناة حيث أن المعلمات يلزمهن سرفيساً ليصلن لقرية بللورة ومن ثم يقمن باستئجار سيارة ليصلن المدرسة، فهذا بالنتيجة يؤدي للتأخر في الوصول ويضطرن للعودة دون تأخير لصعوبة تأمين المواصلات وقلتها فيتقلص عدد الساعات الدراسية التي ينالها الطالب ولا يغيب عن البال أنه في كل شعبة صفان اثنان والمدرسة عبارة عن منزل مستأجر ومكون من ثلاث غرف، والطرق جيدة إلى حد ما فيما خلا الطريق الواصل بين الميدان والروضة والتي تحتاج في بعض المواقع إلى ترقيع. وتطرق إلى ملف النحل الذي ناله الإهمال هو الآخر في ملف التعويضات في الحرائق الأخيرة وبين أنه تم الكشف والتدقيق من قبل الوحدة الإرشادية في بللورة وتمت مراجعة مديرية الزراعة متسائلاً: لماذا تم تعويض الغراس ولم يتم تعويض مربي النحل نهائياً؟ وأضاف: تم وعدنا بتعويض أضرار أو قروض من المصرف الزراعي وللحين لم يتضح شيء والأسعار في ارتفاع ونقف مكتوفي الأيدي يرجو مع غيره من النحالين أن يصار للنظر في الموضوع ويتلقى قطاع النحل الدعم المناسب .. عدد سكان القرى بما فيها الميدان حسب ما يتبع المختارية ٢٣٠ عائلة منها ١١٧ عائلة مقيمة حاليا وهذه القرى والمزارع هي بيت فارس وعيشه بنار والحسينية والريانه وبسقين.. ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.. أهالي الميدان كلهم أمل أن يتم الالتفات لقريتهم والنظر إليها بعين الاهتمام وتقديم الدعم وخصوصاً في القطاع الزراعي وخاصة قطاع النحل الذي تأثر كثيراً وتراجعت وتيرة العمل فيه ولم يحظ بما كان متوقعاً علما أن الغالبية العظمى إن لم يكن جميع أهل القرية مصدرهم الوحيد للعيش وكسب الرزق هو الزراعة والزراعة فقط وأن يلقى وضع المدرسة قدراً من الانتباه، آملين أن تلقى شكواهم من يسمعها ويتم التفاعل معها..
نجود سقور