قرية السفكون… تزخر بالخيرات وهي شريان النقل عبر نفقها الأطول وجسرها الأعلى

الوحدة : 4-3-2021

هي تلك القرية الوادعة بأهلها وطبيعتها الفريدة، السفكون المتوضّعة بحضن هضبة متوسطة الارتفاع على طريق حلب الدولي القديم، متآخية مع قرى كفرية ودغريون وغمام وبرابشبو والزوبار، هي قرية تحاكي ما حولها بعدة تفاصيل مشتركة من غابات وأودية وجزء مهم من سد ١٦ تشرين، حيث من خلال وديان تلك القرية تنحدر عدة روافد وشلالات وسواقي تغزّي مجرى النهر القادم من جهة الشرق وهو نهر الكبير الشمالي مخترقاً عدة قرى وتجمعات منها وطا الخان وكفرية والغنيمية ووادي شيحان وغيرها، أما عن الطريق الذي يلتف بجانب القرية والكتف الأهم للنهر يأخذنا إلى كوع السفكون المشهور، حيث خطورته لامست مشاعر العديد من المسافرين والمارين بحذر شديد على حوافه المتكسرة السحيقة، بالإضافة إلى التشققات والانهدامات التي طالت العديد من مفاصله، أضف إلى ذلك انهدامات وهبوط من الجانب المقابل المرتفع جداً بفعل المياه والسيول المطرية التي تتلاعب بتضاريس تلك الحواف العالية، وبالتالي سقوط أجزاء منها ومن صنوبرها العملاق وانقطاع حركة السير لحين تحرّك بلدية الزوبار التي تتبع لها إدارياً مع آليات الشركة العامة للطرق وتقوم بما يلزم لإعادة حركة السير إلى طبيعتها، وبالعودة إلى داخل تلك القرية البسيطة نجد أهلها يعتمدون في معيشتهم على ما تنتج أراضيهم وحقولهم من خيرات متعدّدة أهمها الزيتون ذي الجودة العالية، والحمضيات واللوزيات وجميع أنواع الفاكهة، والزراعات الحقلية بكافة أنواعها بالإضافة إلى تربية الطيور والدواجن حول مُجمل تلك المنازل المترامية على جنبات تلك الطريق الضيقة التي يظهر الزفت القديم على تفاصيلها ذات المترين، ومن خلال التجوال على أهالي وكبار تلك القرية كان هناك غصّة ودمعة جافة بين أعينهم تشبه ما آل بهم الحال من انقطاع سُبل التواصل والحياة عن هذه القرية، حيث كان مدخل القرية يوماً من الأيام يعجّ بالحركة ليلاً ونهاراً، كونها تعتبر ممراً برياً إجبارياً للمسافرين ومن خلالها يرتبط الساحل بالداخل الذي يشكّل النسيج الاجتماعي الطبيعي بين قرى محافظتي اللاذقية وإدلب الجريحة، حيث عبّر الأهالي عن حزناً وخيبة لتوقف الحركة المجلجلة للقطار الذي كان يدغدغ أوصالهم عند دخوله ظلمة وباطن تلك القرية من خلال نفقاً اسمنتياً بمسافة تقارب ١٦٥٠ متراً ليستقبله عند خروجه حارس ذلك النفق مطلقاً إشارات متعارف عليها لاستمرار المسير أو التمهل أو التوقف، وبعد خروج القطار من باطن قرية السفكون وعتمة النفق يصل إلى الجسر الطويل المرتفع في منطقة قبر العبد حيث يمتطي الجسر الأكثر ارتفاعاً على تلك السكة ومع سيره البطيء تنحبس أنفاس الركاب وتنقبض قلوبهم بسبب الارتفاع الكبير للجسر لتظهر في الأسفل طبيعة ساحرة يظن المسافر وكأنه يمطي طائرة تجوب بساط أخضر من الغابات المتنوعة وعدة أودية تتدلّى منها جداول وأنهار صغيرة تتلاشى بين أحضان تلك الغابات والجروف الصخرية والجبلية، كما يظهر تحت ذلك القطار أوتوستراد اللاذقية- أريحا- حلب وتحت الأوتوستراد مفرق الطريق المؤدي إلى قرية شرّيفا وقرى الحفة الأخرى.

 أما وقد انطلقت جوقة التخريب في عدة مناطق مجاورة هجّرت السكان قسراً وبالتالي السيطرة على تلك المحطات والاستيلاء على مقدراتها وممتلكاتها وقيام الجَهَلة بفكّ قسم كبير من قضبان وأضلاع تلك السكك وتقديمها لأعداء البلاد والكفَرة، حتى أصبح الشّلل التام لتلك الشبكة هو سيّد الموقف مع الالتزام التام والمستمر لحرّاس وعمّال تلك المنشآت الواقعة تحت كنف الأمان والمحافظة على كامل التفاصيل التي تخصّ السكك الحديدية، لكن مع الأسف بدأ الصدأ يداهم أضلاع تلك الشبكة الحديدية وقضبانها السميكة وبراغيها العملاقة، وأخذت الأحراج والطفيليات تداهم حرم وقدسية تلك السكك وضمن أضلاعها مستسلمة لواقع فُرض على هذه الشبكة الهامة في بلادنا، والتي تُعد الشريان الذي يربط بين تلك المكونات الطبيعية لمحطات موزّعة بين قرى ومدن مشهورة ومنها: بداما وشغر وجسر الشغور وأريحا وبشمارون وغيرها كثير وصولاً إلى تخوم محافظة حلب، وقد كان يُعتمد على القطارات بشكل كبير وخاصة للنقل الثقيل والبضائع بكل أنواعها والفوسفات وغيره من الحمولات الثقيلة والركاب والطلاب والماشية وكل ذلك على مدار الساعة، علماً أن الشبكات الحديدية في بلادنا كانت حوادثها شبه معدومة نظراً للخبرة الكبيرة التي يتمتع بها العمّال وكذلك القائمين عليها، لذلك تُعد قرية السفكون هي حلقة الوصل لتلك الشبكة الطرقية والحديدية ومن الضروري الاهتمام بها وببناها التحتية وجميع الخدمات الأخرى كتوسيع طرقاتها الفرعية وتعبيدها وبالأخص الطريق الذي يؤدي إلى البناء القديم للقرية حيث كانت مدفعية القوات المسلحة تتمركز والذي يتسع لمركبة واحدة فقط ، بالإضافة إلى إصلاح الإنارة الشارعية والمنزلية لتلك المنطقة، وإنشاء صرف صحي في المناطق التي تتلاءم مع انسيابه إلى أودية من الممكن إنشاء أحواض لتجميعها وإبعاد التلوث عن الحقول  والمساحات الزراعية.

سليمان حسين

تصفح المزيد..
آخر الأخبار