الوحدة: 1- 2- 2021
سوق الجمعة يقع (حالياً) في الطرف الجنوبي من مدينة اللاذقية قرب الرمل الجنوبي وقرية اليهودية، البعض يسمونه سوق الفقراء والمحتاجين، هو في هذا اليوم المقدّس (الجمعة) ملجأ وملتقى للكثير من الناس وخاصة أصحاب الهوايات المتنوعة بجمع الخردوات والأدوات الكهربائية والمنزلية والمعدات الميكانيكية والزراعية، أما المقتنيات الأثرية والتي يظهر عليها القِدم كخنجر أثري يضعه صاحبه على قطعة قماشية بعناية فائقة تبهر الناظر حيث تقع عليه المساومات وتبادل الآراء والأسعار وإظهار القيمة التاريخية له، فصاحبه يتفاخر به ويدّعي أنه من مقتنيات الملك فيصل أو أنه كان يزيّن خصر نابليون بونابرت أو جدار مقرّه العسكري، هو اضطر لبيعه بسبب الظروف الراهنة، لكن شكله الملفت قد يستهوي جامعي التحف والخزفيات التراثية المولعون بجمع تلك الأدوات، وإلى الوسط قليلاً وللأمانة فإن البعض من فقراء الحال قد يجدون ضالتهم من ألبسة متنوعة بأسعار بخسة، فتلك الأقمشة والألبسة الصوفية المترامية قد يظهر عليها سوء الحال لكن مثيلاتها في الأسواق النظامية وخلف الواجهات البللورية أسعارها تقارب الخيال، فيمكن لتلك التجارة في سوق الجمعة أن تعود بالفائدة لعائلة مهجّرة خرجت من بيوتها قسراً أفرادها شبه عُراة وهنا تكمن أهمية تلك المقتنيات والملبوسات حيث تعود بالنفع لكلا الطرفين البائع الفقير والشاري الأكثر فقراً، ومن خلال تجربة لأحد الأصدقاء أكّد أنه كان يملك مكنة كهربائية (خلاط فاكهة) تعرّض جزء من محركه للتلف وبديله مفقود من الأسواق تماماً كونه ذي خاصية معينة في الصنع ودخل عن طريق البرّ اللبناني، وكانت الصدفة أن وجد نفس الآلة مرمية بسوق الجمعة على إحدى البسطات يبدو عليها القِدم والتلف لكن بالإمكان اجتثاث طلبه منها، حيث تمكن من شرائها بسعر باكيت دخان على حدّ تعبيره، وهنا تكمن أهمية إضافية لهذا التجمّع، وإلى الأمام قليلاً وداخل تلك الزاوية حيث تجمّع البعض حول أحد الباعة وبالاقتراب منه ومحاولة سرقة نظرة بين أكتاف المتجمّعين تبيّن أنه يتاجر بأجهزة الهواتف المحمولة مجهولة المصدر والجمركة في كل جيب من جيوبه نوع من تلك الأجهزة وهنا يبدأ النقاش حول ذلك الجهاز وأهميته الاستراتيجية وسرعته الخارقة باستثناء الحديث عن مصدر امتلاكه وما عليه من أوراق بحث وتقصّي، علماً أنه وفي سنين خلت كان هذا السوق ومن خلال أروقته المتشعبة مقراً ومستقراً لتجارات وسمسرات ممنوعة جداً، مزاوليها من أشباه المجرمين والقتلة والمشبوهين، وإلى الأمام بين الكثير من تجّار الأحذية الأوروبية والألبسة وكذلك الأدوات المنزلية بأنواعها ذات الصناعات المحلية المتعدّدة تتحرك مشاعر الرغبة بالطعام حيث تهب نسائم صنّاع الفطائر السريعة والمشاوي بأنواعها البيضاء والحمراء ذات المصدر غير المعلوم فاقدة الختم الدائري الخاص والرقابة الصحيّة البلدية، وفي نهاية ذلك الطريق الطويل أي بالقرب من شط البحر نصل إلى سوق الطيور المتنوعة وأغلبها من الحمام حيث العشرات من المربين وأصحاب الأسطح التي تكتنز غرائب وعجائب أنواع الحمام، أرزاقهم متوضعة بكيس من الخيش أنواعها متعدّدة لكن أفخرها كما صرّح أحد المربين هو بلجيكي أزرق وسيكي أزرق وعباسي وشخشرلي وأسود دنب والكشميري الأصفر والمسوّد والمشمشي الأزرق وهي بأسعار مرتفعة والأعلى سعراً هو أبيض دنب ٢٥ ألف ليرة للطير، وقد كانت أقفاص الطيور الصغيرة قليلة نظراً لبرودة الطقس الذي لا يناسبها، وكان وجود أحد المربين القدامى يُغني عن البحث والسؤال حيث أكد أن العصافير بأنواع متعدّدة ومتنوعة الأسعار أما الكنار يبدأ ب ٣٥ ألف ليرة وهذه المهنة تدرّ مردوداً جيداً لصاحبها لكنها بحاجة إلى العناية سواء بالغذاء أو بالأدوية، وعلى الطرف المقابل يتربع على تلة من الأقفاص عدة أنواع من الديوك المتحمّسة للقتال والتحدي يقابلها صياح من كرتونة كبيرة يختبئ داخلها ديك مقاتل شرس تظهر على جسده علامات الكدمات والإجرام الدموي السابق وقد دخل في مرحلة الشيخوخة وأصبح معرّض للمهتمين بأكل لحوم الدجاج البلدي وتم تسعيره بعشرين ألفاً، لكن أصبح واضحاً للعيان الاهتمام الكبير بتلك الدجاجات الموضوعات بعناية وحرص كبيرين في سيارة نقل خاصة نظراً للأهمية الكبيرة التي أصبحت تتمتع بها تلك الدجاجة حيث لامس سعر بيضتها الأربعمائة ليرة فهي سيدة هذا الجانب من السوق وتعدّى الاهتمام بها كهواية فقد أصبحت تتمتّع بمردود اقتصادي مهم خاصة لأهالي القرى والأرياف.
وفي النهاية لا بد من العمل على تهذيب وترتيب تموضع هذا السوق الأسبوعي والعناية به وخاصة أن له تراتبية متقدّمة بعدد الزوّار، وهو يعود بالنفع الاقتصادي للكثير من المحتاجين وأصحاب الدخل المحدود، وعلى حدّ قول بعضهم الحاجة الماسة للمردود المادي هي التي تدفعهم إلى مزاولة هذه المهنة وهم متشابهون إلى حدّ كبير مع منتجات ومقتنيات المرأة الريفية التي حصلت على الدعم والاهتمام الحكومي المباشر وأمّنت لهم الأمكنة والسوق لتصريف منتجاتهم، علماً أن السيد محافظ اللاذقية قام بزيارة هذا السوق أواخر العام الماضي واطلع على واقعه والمقتنيات التي يعرضها الباعة واستمع منهم على الأسعار وحركة البيع فيه.
سليمان حسين