والصحفي.. مواطن أيضاً!

الوحدة: 25- 1- 2021

 

ردد مئات آلاف السوريين عبارات التهكم على الإعلام الرسمي، واعتبروه في مرات كثيرة إعلاماً يجمل الواقع، ويصمت عن أوجاع الناس، إلى أن غدا الأمر (حقيقة) بنظرهم، ولا مكان عندهم لمراجعة يقينهم، حتى لو وضعت بين أيديهم آلاف النصوص التي تتحدث عن أوجاعهم، وتنتقد بشدة الأداء العام لقطاعات الدولة، وتقصير أولي الأمر في إيجاد الحلول والمخارج، ومع ذلك، بقي الإعلام الرسمي مصدراً أولاً للمعلومة الموثقة، وأي أمر نريد جزمه، نقول أنه ورد في الصحيفة الفلانية (الرسمية)،أو وكالة الأنباء السورية.

إن النظرة العامة للصحفي أو العامل في حقل الإعلام، تتجاهل أن هذا الشخص مواطن مثل بقية المواطنين، فهو يبحث مثلهم عن الخبز والغاز والمازوت، ويقف مثلهم في الطوابير، وينتظر دوره على محطة الوقود (إن امتلك وسيلة نقل)، ويتألم كما يتألمون من الانتظار في كراجات الانطلاق، ويئن من قلة الحيلة، وضنك العيش، وكل هذا، يدفعه بشكل تلقائي للحديث والكتابة عن وجع يعيشه هو أولاً، فيقسو في أمكنة كثيرة، ويعلو صراخه في وجه المقصرين، ولكن المتابعين قلة، والنسبة العظمى تبحث عن منشور وهمي على صفحات التواصل الاجتماعي كي تتفاءل قليلاً، وهي ليست مستعدة لقراءة مقال من مئة كلمة، لتحكم بعده إن كان الجسم الإعلامي الرسمي قد تناول مطالبها، وتحدث عن معاناتها، أم لا.

ما يجعل عمل الإعلام الرسمي غير منظور ليس تقصيره في طرح هموم الناس، بل وجود مسؤول لا يعير انتباهاً، ولا يهتم لما يُكتب، وربما يقول في مجلسه: دعهم يثرثرون، وذرهم يتخبطون، ها نحن هنا (على صدورهم) قاعدون.

عندما يؤكد رئيس البلاد في أكثر من مناسبة على الدور الأساسي للإعلام في يوميات المواطنين، لا يفهم المسؤولون العبارة، بل يعملون على ترديدها بشكل ببغائي، وعلى أرض الواقع، لا يعطون هذا الدور أي اهتمام، والدلائل كثيرة، إذ لو أنهم يتعاطون مع المشاكل المطروحة في وسائل الاعلام، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، لما بقي هم أو وجع، ولتحولنا إلى مجتمع فاضل، وليس أسهل على صاحب القرار من رفع سماعة هاتفه ليعطي أمراً، أو توجيهاً بحل أي مشكلة مطروحة، ولكنهم للأسف يهربون دائماً إلى الأمام، ويتجاهلون مهامهم، وكأنهم ليسوا من الشعب.

راجعوا ما ورد هنا في جريدة الوحدة على مدى شهور وسنوات، لتتأكدوا أننا لم نترك هماً من هموم الناس إلا وتطرقنا إليه، من الخبز إلى الغاز إلى المازوت إلى وسائل النقل، ومن هموم المزارعين، إلى متاعب المنتجين، ومن المياه إلى الكهرباء إلى الطرقات إلى الصحة، حتى وصلنا إلى حالة من الحرج لأننا نعود في كل شهر لطرح نفس المشكلات، فبتنا نكرر أنفسنا مرغمين، لكوننا نُقابل بأذن صماء، وفي أفضل الأحيان، بعجز واضح عن حل المشكلة.

إن ما يدفعنا الى تسطير هذه الكلمات هو حالة النكران والجحود لجهد نبذله، فلا المسؤول مهتم، ولا المتابع راض، وفوق كل ذلك، يخرج بعضنا للاستهزاء ببعضنا الآخر رغم علمهم المسبق بأننا لسنا أصحاب قرار، ولا نملك أكثر من هذه الكلمات التي ننثرها في فضاءات المسؤول.

غيث حسن

تصفح المزيد..
آخر الأخبار