الوحدة : 14-1-2021
حملتني أشواقي بعيداً، أغمضت عيني فمرت أمامي الشواطئ والجبال والغابات، وقريتي بساحاتها وزواريبها، ووجوه لأصدقاء غيبهم الموت باكراً.
أحسست بقلبي وقد نبت له جناحان، وأنه يريد أن يطير بعيداً في المدى، وطوّقني عبق الصنوبر وضوء الصخور المتناثرة قدام رؤاي وكذلك عبرتني قبرات تحوم من فوقي فأعادت القوة إلى قلبي وجعلتني أمضي دون معاناة..
كنت أراقب حبات المطر المتساقطة على الدروب والأشجار والبيوت والحارات, وكنت أرى كيف أن رائحة الغبار تنبعث كرغيف خبز خرج لتوه من فم تنور ملتهب.
حاولت إخراج كلماتي فعادت حروفي مقهورة وراحت توشوش الأحجار النائمة أن استيقظي وانهضي من سباتك، وبدا خيط الشمس يخضر على كل جملة ثابتة.
عندها وبدون أن أدري طوقني فرح ما، عانقني كأم حنونة تغني تهويدة لابنها المتعب وأحسست بسعادة كاملة.
فتحت دفتر ذكرياتي، قلبت صفحاته ورأيت أني انتظرتك عمراً من الثلج والبرد على عتبات الليالي, وكان الزمان الراكض أبداً يسرع تارة ويخفف تارة أخرى, وكانت خطواتي تتكسر فيما بينها, وعيناي تسوحان في المدى, وحين انشق باب الرؤيا ضيعت خطواتي, نفرت خيل الرماد, أسرحت حصان الخطف وعمدت بالأمل نبض الليالي وتوقفت أصغي إلى حشرجات الحصى وحاولت جاهداً أن أؤاخذ بين المدى وروائح الياسمين.
سيف الدين راعي