الوحدة 17-12-2020
لطالما كان حلمه لقاء القامة الفنية الشامخة ممتاز البحرة، أيقونة الفن التشكيلي الموجه للأطفال والمكرس للتعبير عن حالات الفرح والحلم الطفولي وتلوينه بألوان الطموح والخيال الذي يتعدى حدود الأفق، وعلى خطاه قرر السير..
إنه الفنان والكاتب رامز حاج حسين، التشكيلي المبدع والمتنوع الإنتاج والذي يجمع ما بين الكتابة للأطفال وما بين تشكيل الفن بطريقة جميلة، كاتب وفنان يملك أفكاراً يتفرد بها، وينفذ عمله الفني الراقي بألوان تجذب الأطفال وتدخلهم إلى عالمه القصصي والفني..
جريدة الوحدة، وعبر هذه السطور تلقي الضوء على المسيرة الأدبية والفنية، للكاتب والفنان رامز حاج حسين، والتي تشعبت وتداخلت بصماتها في الكثير من المجموعات القصصية والمجلات الموجهة للأطفال..
عن طفولته وحلمه بالسير على دروب (أسامة) قال: كنت صغيراً غضاً وكنت أحمل كراسات الرسم الخاصة بي أجوب حواري مدينتي سراقب وأقول لكل أهلها سوف أكبر لأرسم في مجلة أسامة مثل (ممتاز البحرة)، كانت رسومه تأسرني… تسرقني من أقراني… فأنزوي في غرفتي وأنا أنقل وأقلد وأنقش خطوطه حتى حفظتها كما حفظت نشيد بلدي وخطوط يدي، ثم تدرجت في الدروب وتشعبت بي الأحلام حتى وجدت نفسي على عتبة كلية الفنون الجميلة، ولأني كنت عاشقاً متيماً بفن الرسم للأطفال تم ترشيحي من قبل أستاذي في مادة الاتصالات البصرية (سرور علواني) لأقدم بعض لوحاتي للمبدعة دلال حاتم في مجلة (أسامة) وكنت كمن أعطي مفاتيح كلمات السر الخاصة بألف مغارة للكنوز المسحورة، انطلقت بكلي وروحي وقلبي لأرسم وألون وأحلم وأكتب وأغني المواويل بالألوان، يومها علمني أستاذي معنى الإغراق في الخصوصية والهوية المحلية عندما اختار لوحة تمثل شكل فلاح بـ (كلابية) مرقعة وطاقية وشوارب كثة، أمسكها براحتيه وقال هذا عمل يستحق التوقف عنده، وفي اليوم التالي كان موعد العشق الأزلي المحفور في جيناتي كيف لا وغداً أدخل بوابة الحكاية وكهف الكنوز، أرض (أسامة) وبدأت من يومها رحلتي مع هذه المجلة، وفي الأيام اللاحقة كان اللقاء الكبير مع (ممتاز البحرة) هو عنوان المرحلة الكبرى ثم كلفت بأن أرسم لمجلة أسامة مغامرات دورية متسلسلة، ومع أسرة هذه المجلة الرائعة كنا نرسم لوحة هنا ونكتب قصة هناك، نذهب لنشارك أطفالاً فرحهم في هذه المدرسة ونرسم ابتسامة على وجوههم في مكان آخر، ننتمي للأرض، للبيوت السورية على امتداد الجغرافية، نحمل أنا ورئيس تحريرها (قحطان بيرقدار) وهو الشاعر الجميل الرقيق، أحلام وهموم الفريق الصغير الذي ننتمي إليه وأحلام الأهل من كتاب ورسامين، وننطلق بها في كل محفل ومنبر للطفولة ونبث هموماً هنا وأحلاماً هناك، والهاجس الأول والأخير أن تكون مجلة أسامة ما تزال تحافظ على رونق وألق لمسات الرعيل الأول المؤسس.
وعن تجربته في الرسم للأطفال والدخول لعالمهم وإقناعهم بما يقدم لهم قال: تجربتي ترتكز على نقطتين جوهريتين في الرسم للأطفال، الأولى هي التدرب المكثف على الأسس العملية والأكاديمية لفن اللوحة الموجه للطفل وإتقان هذه الأسس على المنحيين النظري والعملي، والثانية هي التعلم من الأطفال أنفسهم من خلال مراقبتي لهم وهم يبدعون لوحاتهم وطريقتهم في تحوير العناصر الخاصة بتلك اللوحات وخياراتهم اللونية التي ينتقونها لملء المساحات ودائماً ما أقول بأن الأطفال يعتبرون بمثابة أكاديمية مفتوحة ومتاحة للتعلم منهم كيف نكتب وكيف نرسم للأطفال؟
أما نصيحته للرسام والأديب الذي يخوض حديثاً تجربة الرسم والكتابة للطفل، قال: يجب الارتقاء لمستوى خيال الطفل وذائقته البصرية العالية، لأنك يجب أن تكون مثقفاً من نوع فريد وكثير المطالعة ومتعمق في البحث لكي تصبح أديباً للأطفال أو فناناً يرسم لوحات قصصهم، ومن ثم التمكن من الأدوات على مستوى ناصية اللغة السليمة النقية بالنسبة للأديب وعلى مستوى القدرة على التحليق عالياً في الخيال عبر ريشة وألوان الفنان.
وعن رأيه بمسابقة ممتاز البحرة السورية، وهو أحد المتحمسين لها، قال: إطلاق مسابقة لفن اللوحة الطفلية كان أحد الأحلام التي سعينا جميعاً كفناني لوحة الطفل لكي يقام لها منابر عدة وفي كل أجناس اللوحة وتفرعاتها، فكانت منشورات الطفل في الهيئة العامة السورية للكتاب (وزارة الثقافة) أول المتلقفين للنداء، وانطلقت مسابقة تحمل في رمزيتها ودلالاتها الكثير، لإبراز المواهب الشابة والإضاءة على فن الطفل ولغته البصرية، وما كان أجمل من إطلاق المسابقة إلا اسمها المميز (ممتاز البحرة) تخليداً لذكرى المؤسس الأول للغة البصرية الجادة والقوية للطفل السوري، وما يهم هنا ليس الترويج للمسابقة نفسها وإنما لما تتركه من أثر ودلالات لتطوير منهج رسم اللوحة الطفلية في سورية وتعزيزه، والاهتمام بالمواهب الشابة الواعدة ليكون لها السبق والريادة في هذا الفن.
أما عن فن الرسوم المتحركة ودوره في التأثير على المنظومة القيمية والسلوكية عند أطفالنا قال: كانت الرسوم المتحركة ولازالت محط أنظار كل صناع الفن والمشتغلين في الثقافة الموجهة للأطفال واليافعين في كل البلدان، لكن في سورية فالتجربة خجولة مع اليقين التام أن الخامات والمواهب الموجودة تشكل نواة إطلاق مئات المشاريع الخالصة بهويتها ومحليتها الوطنية السورية، ولكن يبقى البحث عن الممول والداعم هاجس الفنانين والكتاب لهذا الفن، وتقصير الجهات المعنية في دعم هذا المجال هو الوجع الأكبر، فكل الشعوب عرفناها بما تملك من مزايا عبر شاشة التلفزة من خلال المسلسلات الكرتونية التي تتحدث عن كل ما يتعلق بثقافتها وعاداتها وتقاليدها ورموزها، وبرأيي فقد آن لنا أن نتبنى خطة وطنية جامعة للرسوم المتحركة في سورية، وبأسرع وقت ممكن، فالرسوم المتحركة سلاح جليل في زمننا هذا لكي نضع فيها كل قيمنا ومبادئنا وثقافتنا بشكل مناسب لمتطلبات أطفالنا في هذه المرحلة وللرد على هذا الغزو الثقافي المهول عبر وسائل التقانات المتنوعة لعقول أطفالنا.
وفي الجانب الآخر من إبداع الكاتب والفنان حاج حسين تبرز مجموعاته القصصية الموجهة للأطفال، ومنها مجموعة بعنوان (صديقتي دعسوقة) حيث يتحكم الخيال وأنسنة الكائنات في هذه المجموعة القصصية التي أصدرتها الهيئة العامة السورية للكتاب وفيها يجمع الكاتب لقرائه الأطفال إبداعه في الرسم والكتابة للتكامل بين الكلمة واللوحة عبر رسوم تستهوي الطفل وتستثير اهتمامه متناولاً عبر ثماني حكايات متخيلة دعسوقة صغيرة وأصدقاءها من الحشرات يسكنون في غابة سماها (غابة المشمش)، وعن هذه المجموعة قال: يهوى الأطفال أي شيء يدهشهم ويدفعهم فضولهم إلى عالم الحشرات لذلك اخترت هذه الكائنات لأن تكون بطلة لمجموعتي محملاً إياها مجموعة من القيم الأخلاقية والسلوك الإيجابي والمعلومات العلمية مع تلافي الإغراق في الخيال.
كما صدرت له حديثاً، بصيغة إلكترونية، المجموعة القصصية (ملجأٌ للنجوم)، عن وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب على أن تقوم الهيئة بنشرها ورقيّاً في وقت لاحق، وهي مجموعة قصص عن أطفال يعيشون أحلامهم وطموحاتهم، ويلونون أيامهم بالحب والسعادة، وعن هذه المجموعة قال: صنعت من قلبي خيمة لطفل سوري لجأ إليها ليهرب من مفردات الحرب، وذات ليلة أمست هذه الخيمة ملجأً للنجوم، وقد أودعت فيها خمس نبوءات صغيرة عن الحب والحرب والطفولة بلغة مبسطة للأطفال: رفقاً بالعصافير – ملجأ للنجوم – تفاحة جولانية – خوذة أيهم- خبزات نايا، وأنا أوجه لكم الدعوة أحبائي الأطفال لنعيش معهم هذه اللحظات المميزة كي لا ننسى أن ضحكاتهم البريئة قادرةٌ على قهر أصعب الظروف السيئة.
الجدير بالذكر أن الكاتب والفنان حاج حسين كان قد نشر سابقاً ومن خلال الهيئة الهامة للكتاب مجموعات وروايات عدة وهو خريج كلية الفنون الجميلة من قسم الغرافيك والحفر والطباعة ويعمل في كتابة قصص الأطفال ورسومها كما أنه عضو باتحاد الكتاب العرب وينشر أعماله في العديد من مجلات الأطفال السورية والعربية ويعمل في إعداد ورسم وإخراج أفلام الكرتون المتحركة، وهو من مواليد سورية، سراقب 1976م، وقد نشرت أعماله في: مجلة أسامة والهيئة العامة السورية للكتاب (مجموعة قصصية صديقتي دعسوقة) ومجلة الطليعي ومجلة شامة ودار القمر الصغير: (مغامرات أبو حمدو- رواية القدس لنا– رواية بحّار من صيدا- سلسلة لنقاوم– حكايا الأصدقاء- الملائكة الصغار– موسوعة العم زعتر- عم زعتر والحصرم صور– رواية اقتحام المستحيل– مغامرات عم زعتر وعجاج– أغاني أصدقاء صغار جداً (قرص تفاعلي) ودار الفكر (حكايا العم عزوز- رواية آخر قطيع الذئاب)، وهو معد ورسام ومخرج مسلسل الكرتون (فستق ولوزة) ومخرج مسلسل الكرتون (فكور وفكورة) القناة التربوية السورية ورسام أول لمسلسل الكرتون (العنكبوت الأزرق) وشارك في العديد من الندوات والحوارات حول ثقافة الطفل والفن الموجه له في البرامج التلفزيونية المصورة أو في الصحافة المحلية المكتوبة. إنها مسيرة عامرة بالإبداع تستحق منا كل الاحترام والتقدير على أمل أن نوفيه بعضاً مما قدمه لنا من مجموعات قصصية ولوحات ورسومات جسدت مواقفنا الحياتية بكل ما فيها من قيم أصيلة وعادات سامية.
فدوى مقوص