الوحدة 16-12-2020
ما يحصل داخل أروقة فرن الكرامة في حي الصليبة يدعو لخيبة الأمل وخسران الكثير من الثقة بأحد قطاعات الدولة الخدمية الحياتية، هي مادة شبه آنية بذات اللحظة كل أسرة بحاجتها على مدار الساعة (الخبز) أو ربطة الخبز بعد أن تم ربطها وتقييدها بجهاز هو الذي يقرّر كيفية قضاء اليوم بطعام يحتاج للخبز أم القيام بطبخة ذات قيمة غذائية أعلى وأقوى على البطون من الخبز هذه الأيام الباردة (كطبخة ضخمة من البرغل والفاصولياء اليابسة) مع العلم أن هذه الطبخة أصبحت من اختصاص أصحاب النفوذ المادي الكبير مع الأسف، لأنها باتت حلماً وردياً بالنسبة لأبناء الطبقة الساحقة أو أصحاب الدخل المحدود بسبب المأساة الكبيرة عند محاولة إعدادها لأن الكيلو غرام الواحد من الفاصولياء هو بحوالي ٦٠٠٠ ليرة، طبعاً هذه الطبخة بحاجة إلى القليل من اللحوم بحسبة توازي سعر الفاصولياء أقل تقدير بالإضافة لكيلو واحد من البرغل يتجاوز الألف ليرة، وكل هذا بعيد عن متناول اليد والقيام بهكذا عمل يعد مغامرة غير محسوبة النتائج، هذا الفعل أو غيره قد يتم بحال عدم القدرة على تأمين ربطة الخبز والمجازفة بربع الراتب تقريباً، وبالعودة إلى فرن الكرامة وهذا الأمر حصل معي وزميل لي في أحد تشكيلات الجيش وقفنا على الدور بجانب شباك الفرن ومن خلال تلك الشباك يمكننا رؤية كل شيء داخل الفرن وبين أزقته وعلى مدى يومين متواصلين تكرر المشهد المخزي نفسه وهو عدم وجود أي نوع من الإدارة في الداخل، كل يغني على ليلاه، وكل عامل أو عاملة يأمّن بطريقة مخجلة حاجة معارفه أمام جموع الواقفين بالأرتال بلا حياء سواء على الخط العسكري حيث كنا واقفين وطبعاً البطاقة الصحفية تؤهل حاملها الوقوف بين العسكريين وكذلك على مرأى من الأرتال الأخرى بالجهة الثانية التي لا تكف عن الصراخ والاعتراض على تلك الأفعال وهم بالتأكيد على حق، والمشهد المخجل الذي حدث معي كان وقوف أحد الأشخاص أمامي مباشرة تبدو على محياه هيبة معينة وقد اعتقدته من العاملين المسرحين القدامى في الجيش، لكن ظني كان في غير محله عندما غير اتجاه وقفته حيث ظهر تحت فيلته العسكري المتواضع النسر السوري الذي به نفتخر، تختبئ بجانبه عدد من النجوم، لكن نظراته كانت تدل على الكثير من الحيرة والصدمة بدون إطلاق أية كلمة مكتفياً بهز رأسه ومتفرجاً على أناس في الداخل غير آبهين بكرامة المحتاجين من أعداد كبيرة منتظرة أو عسكري طلب من قيادته إجازة ساعية لتأمين طعام أطفاله وأسرته، أما وقد فقد هذا الضابط الأمل بالحصول على حاجته من الخبز أشار لسائقه بالاقتراب بسيارته المتواضعة والانسحاب المبرّر من تلك المهزلة اليومية، ولكن بعد انتظار حوالي الساعة تمت عملية شراء الخبز بنجاح لأعود أدراجي باحثاً عن المكان الذي ركنت به سيارتي وهو نهاية بناء الفرن جانب السورية للتجارة باتجاه حي الصليبة وهناك كان جزء من الحلقة المفقودة وأثناء تبريد أرغفة الخبز كان هناك باب بجوار مدخل السورية للتجارة حيث من خلاله تخرج أكياس الخبز لمن هو فوق القانون وبالقوة التي تعلن عن الظفر بمادة الخبز عن يوم كامل ومن دون انتظار.
رأي بعض الحضور
ومن خلال اللقاء مع بعض الموجودين وكذلك العائدين بخفّي حنين كان هناك شبه إجماع على تردّي أوضاع هذا المخبز وسوء إدارته نافيين التهمة الكبرى بتأخير إحضار عربات الخبز ورميها بحجّة تأمين مخصّصات الجيش والقوات المسلحة، فالمواطن أصبح على دراية ويقين بأن هذا المخبز يعمل بطاقة كبيرة خلال وقت قصير يمكنه تأمين حاجة الجيش بسهولة ويسر، كما أن البعض الآخر من الموجودين قالها بصراحة أن جميع أفران اللاذقية متشابهة بالأداء السلبي على حدّ قوله ذاكراً المثل المعروف (العطار والدهر)، وذكر البعض الآخر أن القيام بتنظيم الأرتال والبيع الفوري يقضي على هذه السلبية بالتعامل مع المواطن وينهي بنفس الوقت ظاهرة البيع من خلف الستار.
وأخيراً.. الكثير من الزبائن والمتابعين وأنا منهم توسّمنا خيراً بعودة السيد سعيد عيسى إلى هرم صناعة هذه المادة وتسويقها، لكن عودته حديثة قد تحتاج للكثير من التمعّن في أخذ القرارات وتصويب بعض الأمور لعودة الهدوء والطمأنينة إلى النفوس في الحصول على مادة الحياة الرئيسية لطبقتنا الساحقة التي تأكل البرغل والرز بأرغفة الخبز.
سليمان حسين