وقال البحر الطب في الفضائيات…

الوحدة 16-12-2020

 

مع بداية انطلاق وانتشار القنوات الفضائية على اختلاف تخصصاتها واتجاهاتها بشكل كبير ومُلفت فقد استبشر البشر خيراً لانفتاح العالم بأسره بشكل واسع ومكشوف، وذلك بغية تقريب كل بعيد، وإضاءة كل تساؤل مبهم، وبدأت ألوان أبواب التقدم والتطور في شتى المجالات وعموم أنواع الاختصاصات تُشرع أبوابها للقاصي والداني، وكما يعتقد البعض بأن هنالك ثلاثة لا مجال للشك أبداً في مدى مصداقيتهم وهم: أثير الإذاعات والقنوات التلفزيونية الفضائية ومنابر الصحافة صاحبة الجلالة، و لكن المفاجأة المذهلة كانت في أن عدداً من هذه القنوات، وسعياً منها وراء الإثارة والشهرة المزيفة لم تقتحم مجالات التقدم وميادين العلم والمعرفة بل فتحت بقوة أبواب التخلف والادعاءات المغلوطة، وكان أحد أبرز المتضررين هو ميدان فروع الطب المختلفة، وهذا المجال العريق والحيوي كان  وما زال موضع اهتمام ومحل احترام ومكان تبجيل رغم محاولات بعض القنوات عرض بدائل للطب تحت مسميات وعناوين مختلفة، وإلى أن تنجلي الأمور وتسطع أشعة الحقيقة فلا بد من القول لكل عاقل بأن يخفف الوطءَ، فذو العقل يشقى في النعيم بعقله.

تُظهر بعض القنوات الفضائية بعضاً ممن يدّعون أنهم خبراء في مجال الطب البديل ومنهم من يجعل من الحبة قبة ومن الزبيب تمراً حيث يأخذون حقيقة علمية من حقائق عالم الطب المعروفة ويبنون عليها بناءً لا يحتمله ذلك الأساس ثم يُقدمون النصائح الغريبة والإرشادات العجيبة والوصفات المريبة، ومن المفارقة المستهجنة بأن عدداً من هذه الفضائيات تُبرز هذه الأمور وكأنها كلام مُنزل لا جدال فيه ولا غبار عليه وتدعو عموم الناس المُتابِعة لتصديق ذلك والتسليم به والإيمان بمقتضاه، ويُلاحظ أن عدداً من خبراء هذا الطب البديل من يستند لبعض الكتب والمؤلفات الأجنبية ويقوم بعرضها وإظهارها بغية إضفاء شرعية ومصداقية لكل طروحاته وللقول بأن ما يُقدمه من معلومات لا تحتمل النقاش أو الجدل أو حتى التشكيك، علماً بأن هنالك الأضعاف المضاعفة من عناوين الكتب التي يجلبها هؤلاء الخبراء ويُجاهرون بها والتي تتحدث في مضمونها عن طبيعة وماهية المخلوقات القادمة من الفضاء السحيق وعن مخلوقات المجرات وأنماط وسبل الحياة فيها، وفي واقع الحال لا يحسب المرء بأن كثرة الكتب والمؤلفات تجعل من الحياة الفضائية وطبيعة المخلوقات المختلفة أمراً مُوثقاً وحقيقة علمية وسرداً قابلاً فعلاً للتصديق.

إضافة إلى ما سبق ذكره واستعراضه فهنالك أيضاً من يدّعُون أنهم يداوون مرضاهم بالقرآن الكريم ويجد المتابع غالباً بأن هذا المداوي يُخطئ في قراءة العديد من الآيات أخطاء تُغير المعنى وتقلب المفاهيم كما أن غيره يقوم بالقراءة بشكل مُرهب للمريض ومخيف لمن معه، كما أن الأسوأ من ذلك يكمن في استضافة بعض الفضائيات لمن يدعي أنه يستعين بالجن لعلاج عدد من الأمراض والحالات المستعصية ضارباً بعرض الحائط ميزان العقل والمنطق والذي يجب أن يزن كل حجة وكلام وطرح على الرغم من أن هناك بعض الأشخاص ممن يدعي أنه شُفي ببعض طرق الطب المذكورة آنفاً أو بما يُسمى الدواء الخُلبي الذي يكون له شكل الدواء ولكن بدون مواده الفاعلة ولا يخفى على أحد بأن أغلب هذه الأمراض التي تتم معالجتها هي أمراض نفسية بشكل خاص أو أمراض يلعب فيها العنصر النفسي والحالة المعنوية دوراً كبيراً.

هُنالك الكثير من الناس مستعدون لإعطاء النُصح والحلول والعلاج بشكل ملخص وسيكون عندها المرء في النهاية مُحتاراً بين معلومات عديدة وطروح مختلفة واقتراحات غريبة وهذه هي الخطوة الأصعب والأكثر تثبيطاً للعزم إلا إذا وجدت طريق العبور عبر باب الإقناع وحقيقة التسليم، ولعل تقديم وإظهار هذه الشريحة على القنوات الفضائية وإحاطتها بهالة من القدسية والتبجيل يجعل عدداً كبيراً من المشاهدين في حالة من الظن بصدقية هؤلاء وصوابية ما يُقدمون وموثوقية ما يطرحون وتلك المشكلة الحقيقة والطامة الكبرى في تعبيد طريق التقدم نحو الوراء، وفي المآل فإن العالم بأسره مُستقبلاً سيعتبر أن الحياة المتحضرة لا يُمكن أن تُعاش أبداً بدون التملي في التفكير والبراعة في التدبير لعموم الأشغال الإنسانية الواجب إنجازها ومناحي الحياة الصحية المُستحِقة للمتابعة والاهتمام والتي لا تحتمل الانتظار.

د. بشار عيسى

تصفح المزيد..
آخر الأخبار